فقرنا الفكري والنقدي

فقرنا الفكري والنقدي
الرابط المختصر

استطاع الفكرالمعرفي الغربي ، وعبر رحلته التاريخية ، مع النتاجات الإبداعية ، أن يصل إلى مرحلة فك الارتباط مع النص الأدبي ، والذهاب بعيداً في المعرفة الإنسانية ، كاسراً حاجز الفلسفة ، ليقدم مشروعاته الفكرية التي تعتبر ، بحق ، إضافة حقيقية للفكر الإنساني ، عموماً. فصار الناقد الأدبي يذهب إلى مطارح قد تبدو نائية ، لكنها ، وبفعل مهارة الحفر المعرفية ، تحولت إلى قضايا إنسانية ومهمّة.

وفي استحضار الأمثلة نستذكر المفكر الفرنسي ميشيل فوكو ، حينما اشتبك مع فكرة الجنون ، عبر كتابه تاريخ الجنون ، الذي استعرض من خلاله تاريخ تعامل الفكر الكلاسيكي الغربي ، مع فكرة الجنون ، عبر ثلاثة قرون ، هي على التوالي: القرن السابع عشر ، والقرن الثامن عشر ، والقرن التاسع عشر.

وفي مشروع فكري آخر نلحظ أنّ فوكو ، يشتبك تاريخياً مع الجنس وتعقيداته السايكولجية في كتايه تاريخ الجنسانية ، الذي يحاصر من خلاله قوة المنع التي أنجبها الغرب في تعامله مع الجنس ، عبر التاريخ ، عموماً ، وعبر ثلاثة قرون.

ونحن إذا عممنا أدوات بحثنا في هذا الإطار ، فإننا سنجد أن المفكر الغربي يعيش طوال حياته كي يحقق مشروعه الفكري الذي يتسم بالجدة والحداثة ، وقلما نجد أن أي واحد من هؤلاء يمارس تقاعده الفكري وهو ينعم بلقب الأكدمة ، والبحث المفجع عن حسن الختام الفكري ، والإحالة على المعاش.

وأنا هنا أتحدث عن الناقد والمفكر العربي ، الذي يكتفي ، على الأغلب ، برسالته الأكاديمية التي تمنحه درجة الدكتوارة ، ليبدأ ، بعد ذلك ، بالبحث المضني عن المجلات المحكمّة التي تزيد من راتبه ، وتحسن أوضاعه المعيشية.

إنّ هذا الكم الهائل والموجع في عدد النقاد العرب وعدد المفكرين ، يجعلنا نتساءل وبقسوة عن تلك المشاريع الفكرية التي فرخها هؤلاء ، لا بل أن نسألهم عن المناهج النقدية العربية الخالصة ، التي يعتمدونها في نتاجاتهم النقدية والفكرية. ذلك أن معظم المناهج النقدية التي يعتمدها نقادنا هي غربية. ويحق لنا أن نسأل عن هذا الاتباع عنذ نقادنا وهم أحفاد لنقاد عظماء مثل الجرجاني والجاحظ.

إنّ الناقد العربي قد هجر ، وعن سبق إصرار ، قدراته الحفرية في النقد وفي الفكر ، وتخلى عن سلالته النقدية ، وآثر لغة الاستسهال في التعامل مع النص الإبداعي ، إلى درجة من الممكن أن نقول فيها إن الإبداع العربي عموماً صار بلا حراسة.

ولهذا صرنا نقرأ روايات هي أقرب إلى الحكايات والخراريف الطويلة ، منها إلى فن الرواية الحقيقي. وصرنا نقرأ شعراً هجيناً منبتاً عن نهر الشعر الهادر ، وصرنا نقرأ قصصاً أقل ما يُقال عنها أنها صفيقة وسخيفة.

ومن جهة أخرى يمكن القول بأن العديد من الدراسات النقدية الأدبية العربية ، تعتمد ، في اعتراكها مع النصوص الإبداعية ، توصيف العمل الإبداعي ، بتلك الطريقة القشرية والسطحية التي لا تقوى على المشاغبة والمناكفة وهز جذوع العمل الإبداعي حتى نتأكد من ثماره.

والحال ، وضمن هذا الفقر في التوجه النقدي العربي ، يصعب أن تجد ذاك الفتح النقدي الذي ينم عن قصدية فكرية ، قادرة على إنتاج تلك الكتابة المعرفية الحافرة ، على طريقة فوكو وغيره من الكتاب الذين خدموا الإنسانية ، باقتحامهم تلك المناطق التي تكشف عن المسكوت عنه ، وعن ذاك القدح الذي يشعل شرارة المخيال.

span style=color: #ff0000;الدستور/span