"فاتورة الوطنية":من يدفع تكاليفها؟

"فاتورة الوطنية":من يدفع تكاليفها؟
الرابط المختصر

يضع "المطبخ الحكومي" المواطنين والإعلام في "ركن الزاوية" عندما يبرر القرارات الاقتصادية القاسية جداً على الشريحة الواسعة من الناس بأنّها الحل الوحيد لإنقاذ الموازنة العامة والاقتصاد الوطني من الانهيار، وأنّ البديل الآخر هو استمرار المديونية وتفاقم العجز والارتهان للمساعدات الخارجية.

النتيجة المترتبة على ذلك، أنّ "وطنية" المواطن الأردني تحتّم عليه القبول بفرض الضرائب، وتحمّل نيران الأسعار وصعوبة الحياة، وعلى الإعلام تسويق القرارات باعتبارها "الدواء المرّ".

الحكومة، وفي سياق هذا المنطق التبريري، تدّعي أنّها لا تطمح إلى "الشعبوية"، على حساب الوطن والقرارات الصائبة لتصحيح المسار.

مشكلتنا مع الحكومات ليست "الشعبوية" أو نقيضها، بل آفة اسمها "انعدام المصداقية"، وهو ما لا تتحمّل نتائجه هذه الحكومة، بل هو مسار متراكم من "فجوة الثقة" بين الشارع والحكومات المتعاقبة، التي كانت تقدّم خطاباً في جهة، وسلوكاً في الجهة المقابلة، ما أنتج في المحصلة مزاجاً عامّاً لديه حساسية شديدة من السياسات الحكومية، ويقبع الإحساس بالظلم وانعدام العدالة في أعماقه، ويشكّ في مرامي أي سياسة من هذا القبيل.

وعليه، قبل أن تطالب الحكومة المواطنين والإعلام بـ"إعمال الوطنية" وتجرّع الوصفة المريرة، عليها أولاً أن تستعيد ثقة الناس بمصداقيتها، وتقدّم من الرسائل والإشارات الواضحة أنّها بالفعل تدرك حجم العبء الاقتصادي الكارثي على النسبة الكبيرة من الناس، وأنّها تسعى إلى تخفيف معاناتهم بسياسات أكثر توازناً تراعي الأبعاد الاجتماعية.

ما يحدث، على النقيض من ذلك، أنّ "النوايا الحكومية" (في دعم الطبقة الوسطى والفقيرة واجتراح حلول للمشكلات الاجتماعية) لا تُترجم من خلال سياسات وقرارات على الأرض.

في سياق "الخبرة الشعبية" بالسياسات الحكومية، فإنّ وضع "وطنية" الناس والإعلام على المحك، لتقبّل القرارات الحالية، لن يكون سيفاً بيد الحكومة، بل هو مصلتٌ عليها. فالمواطن يطالبها ابتداءً بإثبات (عملي) أنّها تفكّر بخيارات اقتصادية مبتكرة وجديدة، قبل أن تسارع لزيادة عبء الحياة عليه.

وقبل ذلك، فإنّ المواطن يطالب الحكومة بشفافية كاملة وواضحة في إدارة المال العام، ومواجهة الفساد، وهو ما لا يمكن مواجهته إلاّ بسقف عالٍ من الحرية الإعلامية، وشفافية حكومية، وتمكين الناس من المعلومات، في ظل غياب أي رقابة برلمانية، ما يمنح الشارع شعوراً بالاطمئنان أنّ الثمن الغالي الذي يدفعه ليس مجّانياً، ولا غُبن فيما يشتريه من سياسات حكومية.

ليس هنالك "نقص" في وطنية الناس، بل استعداد مطلق لحماية اقتصادهم الوطني ودولتهم، ليس من قوت يومهم فقط، بل من حياتهم. لكن يجب أن تكون المعادلة صحيحة ومتوازنة، فلا يجوز أن يدفع المواطن وحده فيها "الكلفة" والفاتورة الثقيلة من المغارم، ولديه شكوك واسعة أنّ "المغانم" محسومة لسواه!