غياب الدراسة الشمولية تتسبب بنتائج مغايرة

غياب الدراسة الشمولية تتسبب بنتائج مغايرة
الرابط المختصر

في إحدى جلسات التفاوض العربية الإسرائيلية قبل عقد ونيف وفي فترة استراحة، قال أحد المفاوضين الإسرائيلين للمفاوض العربي الجملة التالية: أنتم المفاوضون العرب بارعون وند قوي لنا ولكن هنا تتوقف قوتكم فليس لديكم عمق ولا توجد دراسات معمقة ولا تقومون بفحص كافة السيناريوهات الممكنة في حال قيام هذة الفكرة أو تلك.

فكرت بهذة العبارة بعد نقاش مطول مع زملاء من أصحاب المواقع الاليكترونية والذين اجتمعوا لبحث الرد على قرار الحكومة الأردنية بحجب مئات المواقع الاليكترونية، وكان أحد أهم محاور النقاش هو كيف وقعت الحكومة الأردنية بخطأ كبير مثل حجب مئات المواقع بدون أي دراسة معمقة أو محاولة للتعمق في نتائج القراراو السيناريوهات المتوقعة.

وقد زاد من الدهشة أن القرار اتخذ في آخر لحظة، على ما يبدو، ودون دراسة معمقة، فقد خاطب رئيس الوزراء قبل أسبوعين حشدا من الإعلاميين الدوليين ووعدهم باسم حكومة الأردن بعدم حجب المواقع وبضرورة التشاور مع أصحاب المواقع للتوصل إلى تفاهم حول المشاكل المترتبة على غياب التنظيم في عمل المواقع.

وقبل يومين فقط من القرار تبين أن وزير الشؤون الإعلامية أكد لأحد الزملاء نفس الفكرة التي قالها رئيس الوزراء وهي أن هناك فكرة حقيفية بتعديل قانون المطبوعات "سيئ السيط" بما يتجاوب مع رغبات اصحاب المواقع ويتلائم مع المعايير الدولية والتي طالما أكدها الأردن.

وما كان على الحكومة بطبيعة الحال، لمعالجة الخلل الموجود في وضع المواقع الاليكترونية الإخبارية سوى إعادة قراءة الفصل الرابع من الاستراتجية الوطنية للإعلام والتي تمت بناء على رغبة ملكية في عهد الرئيس معروف البخيت والتي أعلنت حكومة النسور علنا عن تأييدها.

وينص الفصل الرابع من الاستراتجية على ضرورة التنظيم الذاتي للمواقع من خلال الاتفاق على مدونة سلوك وتوحيد عمل المواقع من خلال تجمع نقابي، والأهم في الاستراتجية ضرورة خلق سجل للمواقع الإخبارية حتى يتسنى لمن يرغب بمعالجة أي مشكلة في المواقع من هوية وعنوان صاحب الموقع.

والجدير ذكرة أن أصحاب المواقع الأردنية المعارضين لفكرة الترخيص قد أعلنوا في أكثر من مرة استعدادهم لتسجيل مواقعهم كما جاء في الاستراتجية.

غياب دراسة تأثيرات حجب المواقع بدء يتجلى من خلال معرفة أن مئات المواقع غير الإخبارية والتي لم يشملها قرار الحجب قد تم فعلا حجبها بسبب وجودها على نفس مخدم الانترنت لأحد المواقع المحجوبة. فقد تبين أن العديد من مزودي الانترنت الـ 36 في الأردن لا يملكون التقنيات للحجب المحدد في قرارالحكومة مما اضظرهم للحجب العشوائي الأمر الذي سيترتب عليه خسارة مالية كبيرة وضرر معنوي لصناعة الانترنت في الأردن.

من الواضح أن شيئا ما حدث في فرصة نهاية الأسبوع الماضي والذي نتج عنه قرار الحجب المتسرع. فقد يكون أحد أو أكثر من المواقع غير المرخصة قد قام بعمل أساء للأردن أو أضر بسمعته أو أمنه القومي. فهناك من قال إن أحداث معان وتخوفات من ردود فعل رفع أسعار الكهرباء قد تسببت باتخاذ القرار المسرع، ولكن هل معالجة الأمر يوازي خطورته. فمعالجة موقع واحد أو أكثر ممكن بطرق عديدة، ولكن ما حدث يعكس محاولة شخض قتل ذبابة مستخدما رشاشا. فهل حجب مئات المواقع والتراجع عن والعود الدولية والمحلية لمعالجة مشتركة للمشكلة هي أفضل طريقة لتنظيم هذا القطاع؟

والسؤال الأهم أمام من لم يدرس السيناريوهات المحتملة، هل فكر القائمون على قرار الحجب بما سيحدث؟ هل من المعقول أن الحكومة الأردنية لم تتوقع مدى الاحتجاجات المحلية والدولية والتي ستزيد من الاتهامات المحلية والدولية بأن الأردن دولة ليست حرة فعلا، كما جاء في تقرير مؤسسة فريدم هاوس

وهل توقع المسؤولون الأردنيون أن تنجح عمليات الحجب فعلا في توقف تدفق المعلومات في عصر ثورة المعلومات؟

فقرار الحجب مثلا لم يتم تنفيذه عبر أجهزة الهواتف الذكية. كما ونجج العديد من المواطنين الأردنيين الأذكياء بخلق وسائل التحايل على قرار الحجب، وتعميم تلك الوسائل على العديد من وسائل التواصل الاجتماعي (والتي لم يشملها القرار).

خطورة خلق تلك البرمجيات والتي تسمى بـ"البروكسي" خلق جيلا من الأردنيين الذين تحايلوا على قرار الحجب وسيتحايلون على أي قرار مستقبلي.

والأخطر فيما حدث أن هناك مواقع يجمع عليها معظم الأردنيون انه يجب حجبها لتحريضها ضد النظام الأردني، فهل فكر القائمون على قرار الحجب فعلا بكل تلك النتائج؟ أم أن القرار كان متسرعا ويعكس غضبا من موضوع ما ولا يعكس قيادة سياسية تستعين بخبراء ومستشارين يقدمون أحيانا النصيحة للمسؤولوين؟

نحن بحاجة ماسة لمأسسة قرارت الدولة وخاصة تلك القرارت التي تترك أثرا طويل الأمد على المجتمع والدولة، ومن المؤكد أنه لو تم التواصل مع أصحاب المواقع الإخبارية بدلا من إقصائها دون التشاور معها لكان توصل المسؤولون على قرار يجنب الدولة السلبيات، وفي نفس الوقت يوفر للدولة حاجاتها في ضبط هذا القطاع الإعلامي الناشئ والمهم.

الأمر لم ينته بعد وإمكانية التشاور تبقى دائما مفتوحة.

*الكاتب أسس موقع عمان نت الاليكتروني عام 2000 وهو اعلامي عربي حاصل على جوائز عديدة وعضو المجلس التنفيذي لمعهد الصحافة الدولي

أضف تعليقك