عيد ليس لهم!

عيد ليس لهم!
الرابط المختصر

لا يعني يوم العمال العالمي، الذي نحتفل به مطلع كل أيار، الكثير لأغلب العمال الأردنيين، ربما باستثناء تميزه بالحصول على عطلة رسمية، يخرجون فيها من طاحونة عمل يومي، لم يعد يكفي دخله لمجاراة ماراثون ارتفاع كلف المعيشة وحاجات الحياة الأساسية لدى غالبية الطبقة العاملة.

حتى العطلة وإجازة عيد العمال، لن يحظى بها عشرات آلاف العمال، ممن يعملون فيما يسمى "القطاع غير المنظم"، أو في المحال والورش والمؤسسات الصغيرة، أو العاملون بنظام المياومة، فترف استراحة اليوم قد يكلف العامل ضمن هذه الشريحة وجبة غداء لأسرته، أو الاستغناء عن عمله إن عاند صاحب المحل أو الورشة والمؤسسة الصغيرة!

وحده اليسار، ومثقفو البرجوازية، ونخب الطبقة الوسطى، والإعلام، من حافظوا على طقس الاحتفاء بإحياء عيد "البروليتاريا"، واستذكار تلك الشعارات الرومانسية التي حركت ثورات عظيمة في التاريخ، غيرت مجراه وبوصلته السياسية، وهيكلت موازين القوى العالمية، لكنها لم تغير كثيرا ولا عميقا في الظلم الأزلي الذي رافق حياة العمال، ولا أصلحت تشوهات توزيع الثروة والسلطة.

في عيدهم اليوم، يحضر الفقر في المشهد، فقد ارتبط وما يزال بطبقة العمال أساسا، قبل أن يزاحمهم في مساحاته المُرّة جزء واسع من الطبقة الوسطى، التي ترنحت طويلا تحت أعباء تحرير الاقتصاد وإعادة هيكلته و"إصلاحاته" في العقدين الماضيين.

لن يتوقف العمال اليوم طويلا عند القصائد ومعلقات المديح بزنودهم، وبعرقهم الذي يبني الأوطان، ويدير عجلة الإنتاج، فالواقع الحياتي والمعيشي لهم مرّ، والحياة قاسية، واللهاث اليومي وراء لقمة العيش بالكاد يسد الرمق، والأفواه الجائعة في البيوت الفقيرة لا تطعمها القصائد والمدائح!

وفي ظل اجتماع بلاء الفقر مع غياب الاستقرار الوظيفي لدى نسبة وازنة من عمال الأردن، لن يكون غريبا نزوع بعض العمال إلى التحرك الاحتجاجي الفردي القاسي. إذ رصدت التقارير تنامي حالات إيذاء النفس والانتحار والتهديد به، لتصل العام الماضي إلى 23 حالة، وبنسبة 2.5 % من أصل 890 احتجاجاً عماليا شهدتها المملكة في العام 2013، أكثر من نصفها كانت إضرابات.

وتشير الأرقام والإحصاءات إلى تزايد واضح لحالات الاحتجاج العمالي خلال السنوات الثلاث الماضية، وهي الفترة التي يمكن ملاحظة اتساع رقعة الفقر فيها، وانزلاق شرائح جديدة من المجتمع الأردني إلى مساحات هذا الفقر وتردي الأوضاع المعيشية.

وحسب المرصد العمالي، فإن أهم أسباب استمرار ارتفاع وتيرة الاحتجاجات العمالية العام الماضي، هو انخفاض الأجور والرواتب. إذ يقدر المرصد أن أجور نحو ثلاثة أرباع العاملين في الأردن تقع تحت خط الفقر المطلق!

اختلالات سوق العمل الأردنية، وتشوهاتها، متواصلة رغم كل التقارير والمطالبات النقابية والسياسية والشعبية. فإضافة إلى انخفاض معدلات الأجور والرواتب، تغيب أشكال وخدمات الحماية الاجتماعية عن نسبة كبيرة من العمال، تحديدا من العاملين بأجر يومي، أو في المؤسسات الصغيرة والمحال والورش، وحتى آلاف عيادات الأطباء ومكاتب المحاماة والخدمات، فيما لا تلتزم العديد من المؤسسات بالحد الأدنى للأجور (190 دينارا)، رغم أنه لا يغني ولا يسمن من جوع.

ولا يبدو أن هناك أملا بأن تستجيب الحكومة وتربط الأجور بمعدلات التضخم، لمواجهة اتساع رقعة الفقر، وتردي الأوضاع المعيشية لغالبية الطبقة العاملة.

عيدهم اليوم سيمر سريعا، وسيتبقى لعمال الأردن 364 يوما من عامهم المقبل، ستكون مليئة بالنضال واللهاث وراء لقمة العيش، في انتظار غد أفضل.

الغد

أضف تعليقك