عن الهوية والانتماء بمناسبة عيد الاستقلال

عن الهوية والانتماء بمناسبة عيد الاستقلال
الرابط المختصر

اختلفنا أم اتفقنا على البدايات وما قبل البدايات؛ فالحاضر يقول إن الكينونة الأردنية هي حقيقة مادّية راسخة على الأرض والهويّة الوطنية متجذرة في وجدان الأردنيين.

وإذا كان الانتماء والولاء لـ"كيانٍ ما" لا يعبّر عن إحساس بالهويّة فحسب، بل أيضا عن مصالح، فإن أبناء هذا البلد الذين بنت لهم سيرة الآباء والأجداد ذاكرتهم الوطنية المشتركة، يجدون مصيرهم ومصير أبنائهم وأحفادهم في سلامة واستقرار وديمومة هذا الكيان الوطني.

وما نراه بديهيا، اليوم، لم يكن كذلك قبل عقود. في فترة الغليان القومي كان الكيان "القطري" مدانا، فهو الثمرة العيانية لمؤامرة التجزئة الاستعمارية التي غدرت بثورة العرب وأشواقهم للاستقلال والوحدة. وطعنت في الظهر مشروع الحسين بن علي لبناء الدولة العربية المشرقية الكبرى.

لذلك، فإن شرعية النظام السياسي في كل قطر، بما في ذلك الأردن، كانت تستمد من طروحاته القومية والوحدوية، أي أنه لا يدافع عن وجوده كحالة نهائية تعبرعن خيار شعبه الخاص، بل كحالة انتقالية للوصول إلى الهدف وهو دولة الوحدة.

ولم يكن الأردنيون، وفق المناخ السياسي لتلك الأيام، يرفضون حتّى الالتحاق بسورية الكبرى، لكن سورية الأصغر، التي طلبت الوحدة طوعا مع
عبد الناصر، انتفضت عليه بعد 3 سنوات ونصف، ومهما قيل عن التدخل الاستعماري، فالحركة الانفصالية كانت تمثل رفض الكيان الوطني السوري للالحاق والهيمنة من الشقيق الأكبر لم ترضه النخب ولا الشعب. وحاق الفشل المدوّي بمشروع الوحدة هذا، وتعثرت كل المشاريع الأخرى. وثبت في النهاية أن الأطر المشتركة القائمة على التكافؤ والنديّة، على الطريقة الأوروبية، هي الطريق الواقعي الممكن، ومع الأسف فحتّى هذا الهدف ما يزال امنية بعيدة المنال.

واليوم، بات الحفاظ على وحدة الهوية والكيان الوطني هدفا مصيريا ساميا إزاء ظواهر التشظّي في الهويات والمصالح الأكثر ضيقا وفرعية، وانهيار اي نظام سياسي كما رأينا يفتح ابواب الجحيم لولاءات تفتيتية، بحيث أن العودة إلى الولاء الوطني العام يصبح أمنية مثالية عزيزة المنال كما هو حال العراق الآن.

الوطنية، الآن، هي سور الدفاع الأخير في مواجهة التشظّي الطائفي والاثني والقبلي. ولعلّ الأردن من الدول القليلة سعيدة الحظ باستقرار وديمومة نظامها السياسي منذ التأسيس، وحتّى اليوم، وقد تعلم الأردنيون دروسا ثمينة ممن حولهم، حيث يعادل الدفاع عن ديمومة واستقرار النظام السياسي الدفاع عن وجودهم نفسه.

هنالك وعي عام قوي بالمخاطر وبالمصلحة الوطنية الحيوية في مواجهة الانزلاق الى الولاءات والعصبيات الفرعية. والاحتفال بعيد الاستقلال يقوم على هذا الوعي العام الذي يتوجب ترجمته كل يوم ببرامج وسياسات.

الإصلاح السياسي في الاردن معنيٌ، بصورة خاصّة بتجديد الانصهار الوطني، وهذا لا يتحقق فقط بالوعظ والخطابة، بل بتعميق المصالح العامّة للمواطنة العابرة للانتماءات الفرعية الضيقة. بالمناسبة، فإن محتوى نقاشنا كلّه لتطوير قانون الانتخاب كان ينصب على هذا الهدف.