عن المرحوم الدكتور اسحق الفرحان..

عن المرحوم الدكتور اسحق الفرحان..

 

قبل عامين، وعندما طُرحَت بقوة قضية المناهج المدرسية في النقاش العام، أجريتُ مقابلة مطولة مع الدكتور اسحق الفرحان، تركزت حول قصة المناهج المدرسية الأردنية وتاريخها، ومررنا على أمور اخرى. فالمرحوم هو أول مدير لمديرية المناهج في وزارة التربية، ففي العام 1964 كان قد عاد من بعثة دراسية لنيل الدكتوراة في التربية/ تخصص مناهج.

 

تعرفتُ في المقابلة على تجربة ريادية (تنمويا) في إعداد المناهج الدراسية، تكفي الإشارة أن تأليف منهاج كان يتم عبر مسابقة، وأن اللجنة المشرفة على المنهاج تتألف من: معلم ممارس للمادة، ومشرف تربوي، وممثل للقطاع الأهلي! ومن دون أي استعانة بخبراء أجانب أو هيئات من وراء البحار. وعلى العموم، كان عقد الستينات عقدا للتجارب الريادية التنموية في شتى المجالات. إن هذا العقد يشكل سرا أردنيا خالصاً.

 

منذ إعلان وفاته أمس، انشغل كثيرون بالخبر، بعضهم انشغل بالمناقب وآخرون بالمثالب.

 

لا يجوز معاملة رجال تلك المرحلة بعيون اليوم، فالدكتور الفرحان لم يكن "إخوانياً" بالمعنى الدارج للكلمة اليوم. لقد ارتبط مع جماعة الإخوان مبكرا، لكن الالتحاق بالعمل العام كان يخضع لشروط إدارة الدولة في تلك الأوقات.

 

ومع ملاحظة أن الجماعة كانت صديقة للنظام، لكن لا يبدو أن فهم المنصب العام كان بالخفة التي نعرفها الآن. فعلى سبيل المثال، لقد عمل المرحوم اسحق الفرحان إلى جانب القومي/ البعثي حكمت الساكت  وهو الاسم الأبرز في سيرة التربية والتعليم في الأردن. كان الساكت امينا عاما مسؤولا عن الفرحان، وعندما اصبح الأخير وزيرا، ظل الأول في منصبه.

 

كان الفرحان عام 1970 قد استقال من منصبه في المناهج، ووقع عقدا للعمل مع مكتب اليونسكو في الرياض، وبينما كان في زيارة وداع لزملائه في الوزارة، حضر ضابطا شرطة في سيارة يطلبانه، فاعتقد الجميع بمن فيهم الفرحان نفسه أنه سيعتقل، وحاول الاختفاء لبعض الوقت، غير أنه خرج في النهاية، لتصل به السيارة إلى الديوان الملكي حيث كانت مشاورات التشكيل تجري من قبل وصفي التل وبحضور الملك المرحوم حسين. حينها تردد الفرحان بسبب إغراءات العقد في السعودية ومع منظمة دولية، غير أن كلمة واحدة من التل هي "بلدك أولى بك" كانت كافية لتغيير موقفه. وبعد قبوله المنصب عاقبته جماعة الإخوان بالتجميد لثلاث سنوات، ذلك انها لم تكن مستعدة للمغامرة بالاشتراك بحكومة تاتي بعد أيلول 1970، ولكن الجماعة عادت بعد ذلك لترجوه العودة إلى صفوفها. (لعلها انتهازية الجماعة التي تجنبت غضب خصوم النظام الأقوياء عام 1970 ثم عادت تتجنب خصومة النظام بعد استقراره).

 

المرحوم الفرحان، هو مسيرة تفوق منذ صباه، وكان لخبراته وتخصصه دورا في تصعيده. ومن المرجح انه كغيره من البشر تغير في رؤاه وممارساته بين زمن وآخر، ولكن من المؤكد أنه كان متأثرا بالظروف التي يمر بها مجتمعه. قد لا يعلم كثيرون أن وزير التربية الفرحان كان يحضر ويشرف على مهرجانات تشارك بها مئات الفتيات من طالبات الأردن بهيئة وصورة وملابس كان المجتمع ينظر إليها باحترام، غير أنها لو جرت الآن لاحتج عليها العلمانيون. لقد ضغط المرحوم الفرحان لإجراء بعض التغييرات، فنجح حيناً ولم ينجح أحياناً. هل تعلمون أن المرحوم الإخواني الشهير يوسف العظم كان في مطلع السبعينات يقود مسيرة في مهرجان للزهور؟ أيها الإخوة، لا تغمضوا عيونكم عن السياق والمسارات في حينها.

 

من فضلكم، ان بلدنا اليوم، بعجره وبجره، نتاج عمل طيف واسع من الأردنيين، لكل منهم مثالبه ومناقبه.

رحم الله الدكتور الفرحان، وهيا بنا نتعود على رحمة مجتمعنا وبلدنا.

 

أضف تعليقك