عن الكرامة المهدورة

عن الكرامة المهدورة
الرابط المختصر

صورة واحدة قد تكفي أحياناً، لتؤجج الغضب المتراكم من شعور عميق بتكرار الإهانة والاستهانة، قد لا تكون الصورة الأشد تعبيراً عن مساس كرامة الإنسان الأردني لكنها تفجّر ألماً مكتوماً يتباين في تعبيراته وأشكاله، لكنها صرخة ألم يجب أن لا نصم آذاننا عنها.

فمهما كان رأينا في تجليات النقمة الشعبية، من الخطأ التقليل من دوافعها؛ إذا أردنا بحق أن نفهم المجتمع وأن نساهم في تغيير يحترم كرامة المواطن وحقوقه، إلا إذا اختار المثقف التعالي والانعزال عن الناس الذي يدعي الدفاع عنهم.

لا شك أن الفيديو الذي يُظهر تعرض محتجين أردنيين للضرب من قبل دبلوماسيين عراقيين مهين ومؤلم؛ خاصة وأن الصورة الناطقة المتحركة، توقظ في وعي الإنسان الكامن، مشاهد ومواقف وأحاسيس، ذات علاقة أو غير علاقة مباشرة بالحدث، لكنها بالنهاية تجسد ثِقل الغبن الجاثم على الروح والجسد و عدم شعوره بالأمن والأمان في بلده.

في الأعراف البروتوكولية، ما فعله المحاميان الأردنيان يعتبر خرقا وإن كان شكلاً من أشكال التعبير السياسي، يستخدمه الناشطون في كل أنحاء العالم، وعادة ما يتم إبعادهم من القاعة، وأحيانا توقيفهم من الشرطة لفترة قصيرة وفقاً للقانون، لكن الاعتداء عليهم وبهذه الطريقة القاسية غير المقبولة، مهما كانت شعاراتهم، أجج رفضاً موجوداً أصلاً لفشل الدولة في حماية وصيانة كرامة مواطنيها.

الحدث جاء في لحظة فقدان الإنسان الأردني، بالأخص الفقير، الطمأنينة والثقة بالدولة، فحقوقه مهضومة، وكرامته مداس عليها كل يوم، ينام على مسلسل الخديعة، التي تسرق اللقمة من فم أطفاله، ويصحو على سلب أحلامه تحت حجة إنقاذ الاقتصاد الوطني من ورطة وأخطاء وخطايا ليس له علاقة فيها!

فهم جذور الغضب لا يعاني الموافقة على بعض التعبيرات العنصرية في مضمونها وحتى كلماتها، بما في ذلك التحريض على العراقيين، والسوريين والمصريين، والدعوات إلى العنف الانتقامية، والتعميم الجماعي و زرع الأحقاد الطائفية، فلا كرامة في هدر كرامة الآخرين وحياتهم.

يجب هنا أيضاً أن نحاول أن نفهم، لا أن نؤيد بل وندين، أسباب تشوه الوعي التي تجعل وفي لحظة غضب من المظلوم ظالماً، لا يسترد حقوقه بل ويساهم في "فورة دمه" بالإساءة إلى نفسه وإنسانيته.

"فالتربية الوطنية" غير معنية بترسيخ مبادئ المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية، بل بنشر ثقافة الخنوع والخضوع والخوف، وبالتالي قتل الوعي بالحقوق فيصب الإنسان حنقه على من يعتبرها مختلفة عنه إما لشعوره بالعجز عن تغيير واقعه وإما لأنه يحمّلها وزر مشاكله، بدلا من الثورة على قوانين الاستغلال و ممارسات الجور.

لوم مجموعة "غريبة" هو من أهم أساليب التعبئة التي توظفها التيارات اليمينية المتطرفة، في الغرب خاصة، للتحريض على الأقليات والمهاجرين بما في ذلك العرب والأتراك والمسلمون، بالإضافة إلى المكسيكيين واللاتينيين في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا ما نشهده في الأردن، فما معنى انبراء أصوات، شاركت بالتحريض ضد الحراك الشعبي، بالدعوة إلى الحرق وحتى القتل في نفث عنصري شوفيني تحت شعار ذود الشرف والكرامة في استغلال بشع لغضب الأردنيين يهدف إلى حرف الأنظار عن القضايا الرئيسية من غلاء إلى غياب العدالة الاجتماعية، وهدر مقدرات وطن، إلى ملفات الأسرى الأردنيين في السجون الصهيونية والمعتقلين في دول شقيقة وغربية.

الأكثر إيلاماً هو التشويه الموجود داخل الحراك نفسه، كما ظهر في لغة وشعارات بعض الحراكيين من تعبيرات عنصرية وطائفية مقيتة، فكيف لمن ينشد العدالة ورفع الظلم، أن يشارك في تحشيد شوفيني فيه تقويض لإنسانيتنا قبل إنسانية من نرى أنه الآخر؟

من الواضح أن الاصطفافات الإقليمية والطائفية، نخرت النفوس وأعمت العقول، فإذا كانت هناك اتهامات لحكومة نوري المالكي بالطائفية، يجب أن لا نبرر لأنفسنا العصبوية الطائفية أو القطرية والقومية وإلا بماذا يختلف مشروع التغيير الذي نحمله عن نظم نعارضها؟

لا نعفي الحكومات المتعاقبة من مسؤوليتها في دفع الوضع إلى هذا الحد من اليأس والغضب، لأن غياب احترام المواطن، الذي لا يعامل كمواطن أصلاً، يجعل من كل حادثة، نواة لاشتعال غضب، لا نستطيع التنبؤ باتجاهه، لكن نستطيع تحذير أنفسنا من خطر فقدان البوصلة!

العرب اليوم

أضف تعليقك