عن الإعلام بعد العاصفة

عن الإعلام بعد العاصفة

بعد أن هدأت عاصفة الجدل حول البروفايل الذي كتبه باحتراف الصحافي الاميركي جيفري غولدبيرغ والذي نشر على صفحات مجلة ذي اتلانتيك، وقامت النيويورك تايمز بتلخيصه بتقرير بث من القاهرة، نستطيع الان أن نتحدث بعقل هادئ بعيدا عن الانفعال الذي وقع في الايام الماضية.

على افتراض ان كل ما جاء في المادة الصحافية قد قيل، او ما جاء في جوهره، فإن ما نشر لا يحتمل كل هذا الجدل، لو كانت العلاقة ما بين مؤسسات الحكم، والمؤسسات الاخرى مبنية على انفتاح ديمقراطي، والمراجعة الذاتية، ومراجعة الآخر، وبمنظومة علاقات ديمقراطية.

عنوان العلاقة ما بين المؤسسات الرسمية والمؤسسات الشعبية والقوى الحية في المجتمع، مبنية على المجاملة والمكاسب، وعلى إطلاق التهم، ولا أحد يعترف بأنه غلطان، ولا ننسى أيضا أهمية المناسف في ترسيم هذه العلاقات، ولهذا فإن كل شخص قرأ ما جاء في المادة الصحافية بطريقته الخاصة، وتعامل معها على قاعدة المكاسب، لأفكاره وطروحاته.

لم يلتفت أحد إلى قوة الاعلام وتأثيره في زماننا الحالي؛ لهذا فتحت جبهات النقد على ادارة الاعلام في الديوان الملكي، وكانت معظم المقالات تحريضية، واستبدالية، فلو كان هناك شخص آخر في اعلام الديوان لما وقع ما وقع، ولو كان هناك مستشارون آخرون، لمنعوا هذا الصحافي او غيره من الوصول الى كتابة ما اقترفه، من دون ان يمرّ عليهم.. يا لطيف.

عقليات عرفية تريد أن توجه الاعلام بالطريقة التي تناسبها، لا تحاكم ولا تقرأ الفكرة، بقدر ما تقرأ النوايا، والتوقيت، والتحريض على الاردن وسياساته، والاستهداف، وكأنهم هم فقط الأوصياء على البلاد والعباد من أية أفكار لا تتناسب مع أفكارهم.

بيان الديوان الملكي التوضيحي، كان كافيا، عندما قال إن هناك مغالطات ومصطلحات نزعت من سياقها؛ لأن القراءة الكاملة للمادة الصحافية تكشف عن هذا الشيء، ولا أريد أن أتّهم كثيرين كتبوا أو علقوا على ما حدث من دون الاطلاع على المادة المنشورة كاملة، وهذا ما خلق الضجة المفتعلة.

لا أريد أن أدخل بالعمق لما جاء في المادة الصحافية ؛ لأن معظم ما جاء فيها نقل على لسان رأس الدولة مرارا، وفي لقاءات جلالته في عمان ومع شخصياتها، وبعض الكتاب والصحافيين كانوا من الحاضرين لهذه اللقاءات وكتبوا حولها، لكن الهبّة التي حصلت بعد المادة الصحافية من جيفري غولدبيرغ كانت في معظمها مفتعلة، والذي يدقق اكثر وخاصة في مقالات بعض الكتاب، يجد أن هناك تشابها، يصل الى مرحلة الفكرة الواحدة، والجملة الواحدة، وهذا ظهر ايضا في مقالات مشابهة قبل نحو اسبوعين حول المحاصصة والتوطين والوطن البديل.

في الإعلام هذه الايام، وبعد الثورات غير المسبوقة، لم تعد هناك وصاية من أي نوع على الإعلام، ولم يعد هناك مجال لتغييب فكرة، او مراقبة رأي، او التعتيم على صورة.

في الاعلام هذه الايام لا ينفع الا المصداقية، ومن يكذب على الاعلام (وهم كثر للأسف بيننا) لا يذهب فقط الى النار، بل يفقد قيمته وقيمه الاخلاقية، ولا احد يشتري منه بضاعة.

صحيح ان الاعلام الان اصبحت وسائله ميسرة في اعلام التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وتوتير) والاعلام الالكتروني عبر المواقع والفضائيات، لكن تبقى قيم المصداقية والاحتراف هما التجارة الرابحة، اما البطولات الوهمية، والنضالات الكاذبة، فهي كغثاء السيل.

العرب اليوم

أضف تعليقك