عندما يتحدّث أردوغان!

عندما يتحدّث أردوغان!

مرّة أخرى، فاضت الكلمات والدموع والهتافات من الملايين، وسارت الجموع في الشوارع. عبّرنا جميعا عن انفعالاتنا وعواطفنا، وشتمنا العنجهية الإسرائيلية، لكننا وقفنا عند حدود اللعبة التقليدية.

فينا من "وُِلد وعيه" مع نكبة الـ48 وهتف للجيوش العربية، أو الـ67 وهتف لعبد الناصر، أو 82 لعرفات، والـ91 (كحالتي) لصدّام حسين، والجيل الجديد في الـ2003، وفي المحصلة لم نحصد إلا الخيبات والحسرات والانتكاسات!

بالطبع، التاريخ ليس نائما أو راقدا. وهنالك متغيرات وتحولات بنيوية. ولعلّ اللحظة الراهنة تشهد تغيّرا ملحوظا في موقف المجتمع الدولي من إسرائيل، بل هنالك دول إسلامية باتت تمثل تهديدا لأمن إسرائيل أو تحديّا استراتيجيا لها، كإيران وتركيا.

ذلك يمنح العرب فرصة تاريخية؛ لكن أين هو الطرف الذي يستثمر الفرصة؟! فهل الدول العربية مهيأة لإعادة التفكير بخياراتها وتحالفاتها وقدرتها على إحداث اختراق في المعادلة الإقليمية لإضعاف الموقف الإسرائيلي؟!

الجواب، في ظني، معروف حتى للطفل الصغير لدينا، فهل رأيتم ما هو أضعف وأهزل من ردّ فعل النظام الرسمي العربي! دولة مثل مصر تحاصر هي غزة، وتستجوب أبناء حماس والجهاد، وتعذبهم، وتسعى ليل نهار إلى إطلاق شاليط، هل تملك حقا مقومات قيادة الموقف الرسمي العربي؟!

عندما تحدّث رئيس الوزراء التركي أردوغان، أمس كلّ العالم أنصت، لماذا؟ لأنّ هنالك لغة تفهمها إسرائيل، وتحسب حسابها، ويقرؤها العالم الغربي جيّدا، وهنالك في المقابل لغو وثرثرة وضحك على الذقون ودوران حول الذات وبهلوانيات وعنتريات، لا أحد يقيم لها وزنا!

قواعد اللعبة واضحة، لكن لا ندركها، نحن العرب، تعرفها إسرائيل وتركيا وإيران والدول التي تملك حقّا خياراتها وإرادتها، وتتوافر لديها قدرة على تعريف مصالحها وأمنها والدفاع عنها. فلن يتبرّع أحد بالدفاع عن أمننا ومصالحنا، طالما نحن نخشى ذلك!

تركيا، بالضرورة، هي لاعب إقليمي مهم، ودورها يتطوّر تدريجيا باتجاه دعم الفلسطينيين، وتعديل ميزان القوى مع إسرائيل. لكنّ الدور التركي لن يحمل الحالة العربية، وهو لا يخرج عن دائرة التفكير بالمصالح الاستراتيجية التركية، كما هي حالة الإيرانيين، وقد جرى مؤخّرا تقارب تركي- إيراني كبير، لترسيم معالم معادلة إقليمية جديدة. فيما الطرف العربي ما يزال يرسم بنفسه حدودا لدوره في لعبة إقليمية انتهت، وتغيرت قواعدها، وجرت بعدها مياه كثيرة تحت الأقدام.

من يقرأ التاريخ يدرك طبيعة صيرورته، ويميّز ما بين الأوهام والأماني والأحلام والصراخ، وبين الواقع وشروطه ومحرّكاته. فهل ندرك، حقا، أين نقف (نحن) حاليا؟!

الغد

أضف تعليقك