عناوين الخلل والفساد وإمكانية الإصلاح

عناوين الخلل والفساد وإمكانية الإصلاح
الرابط المختصر

لم يحظ أي اصطلاح بما حظي به الفساد من شيوع حتى أصبح أنصار الفساد يعتبرونه أمرا عاديا في حياة الدول، ولهذا فإن التعايش مع الفساد حالة معتادة في عدد من المجتمعات نتيجة ما يمنحه الفساد لقوى حكومية ومجتمعية من مصالح يختلط فيها الأمر المشروع مع غير المشروع. ولهذا فإن إمكانية الإصلاح تتضاءل بفعل ضعف إرادة الإصلاح، وبفعل قوة وسيطرة شرائح واسعة لها مصلحة بالفساد لأنه يحافظ على جشعها ومراكزها وتعاظم دورها في السيطرة والاستبداد. وكثير من أهل الفساد من المتنفذين يؤجلون رأيهم حتى يصبح كلامهم عن الفساد فاقدا لقيمته وصلاحيته، ولهذا كان مارتن لوثر كنج يؤمن ويناضل من أجل أن تتم محاسبتك على ما تقوله وعلى ما لم تقله حين كان يفترض فيك وعليك أن تقوله في زمنه ولا تنتظر القدر ومنحة السماء.

كثيرون هم الذين وضعوا للخلل والانحرافات والفساد عناوين وتصنيفات كلها سيئة مثل هذا فساد في التشريع، وهذا فساد إداري، وهذا فساد مالي، ونتيجة الحوار بين هذا الفساد أو ذك وأسبابه تضيع الأمور لا سيما حين لا تتوفر الإرادة أو يكون التصنيف عاملا من عوامل البحث الجاد وإمكانية الإصلاح والعلاج المناسب حين تتوفر الإرادة الحقيقية للإصلاح.

وها نحن مقدمون على انتخابات نيابية بعد دورات سابقة قيل فيها الكثير عن التزوير والفساد، مع أن انتخاب كثير من النواب كان بفعل عوامل اجتماعية وعلاقات شخصية تكررت وساعدت على الخلل والفساد، ولم يتعظ من كرروا أخطاءهم في الاختيار. فهل أصبحت هذه المرة إمكانية الإصلاح متوفرة؟ سؤال ينتظر الجواب في الصناديق، وتتحمل النخب المسؤولية عن النتائج ما دام الكلام عن النزاهة والشفافية بلغ ما بلغه من وعود حتى الآن.

ومع ما أصاب مجلس النواب في دوراته العديدة من خلل في دوره الرقابي والتشريعي فقد كان ركوب العديد من النواب عناوين نائب الخدمات والتوسط غير الصحيح تشجيعا للفساد الحكومي الذي استطاب تلبية النواب لمصالح غير مشروعة، وليصبح حتى قانون التقاعد عرضة للتحريف والخلل ابتداء من شهوة الوزراء ومن في حكمهم ومرورا بالأعيان والنواب، حتى غدت هذه الظاهرة جاذبة للمراتب العليا لتتفاقم المشكلة ويصبح من تقاعدوا برواتب خيالية جزءا من شبهات الفساد التشريعي والإداري والمالي بما في ذلك رفع مستويات المعلولية وجعلها حقا تقاعديا لا يراعي الأصول خصوصا حين يعين المتقاعد الحائز من العسكريين مثلا على معلولية كاملة بمواقع قيادية في الشركات وفي مؤسسات تتطلب الكفاءة العلمية والخبرة المتخصصة والنشاط الجسمي، واستغل كثيرون حب الناس للأمن والاستقرار ليمنعوا الانحراف التشريعي والإداري والمالي، وكأنهم يدفعون الحراك لرفع سقف المطالب.

إن عناوين شبهات الفساد لا يجوز أن تختلط في ثنايا الأمور كمبررات للإمعان في عدم التقدم الجاد نحو الحلول بحجج وضع الفساد تحت عناوين متعددة مختلطة بين التشريع والإدارة واعتبار الفساد المالي محميا مرة بالحصانة، ومرة بالخلل في صياغة القوانين أو الثغرات فيها وعرقلة تدخل النائب العام بعد أن تم استحداث هيئات ومؤسسات إضافية على القوانين ذات العلاقة كديوان المظالم وهيئة مكافحة الفساد وجعل ديوان المحاسبة مجرد هيئة تعد التقارير الطويلة وتعدد الحالات الجزئية الفاقدة للفعل في المفاصل الرئيسية للانحرافات الكبرى التي جعلت الخلل والفساد أمورا ضائعة بين عناوين الإصلاح التشريعي والإداري والمالي...

إن العناوين التي تجعل إمكانية الإصلاح قابلة للتحقيق تبدأ من قاعدة لا حصانة لفاسد، وأنه ليس مقبولا ولا مسموحا به تبرير اعتبار ماهو في إطار الحقوق المكتسبة أمرا مستمرا؛ لذا فإن الإصلاح التشريعي والإصلاح بشكل عام يجب أن تتنافس برامج المترشحين والدعاية الانتخابية على أساسه لتكون هذه البرامج والشعارات الانتخابية مجالا للتنافس الانتخابي أمام الناخبين تدعم العمل على جرائم عمليات جراحية جادة تمنع استمرار مقولة إن الحقوق الموصوفة بالمكتسبة تظل حقوقا مستمرة إذا كانت في إطار شبهات الفساد. وهنا يأتي دور انسحاب الإصلاح بأثر رجعي، فلا يجوز أن يكافأ الفساد على تغوله زمنيا. من هنا يكون الحرص على الإصلاح وحماية الدولة الأردنية التي بلغت مديونيتها حدودا تحذر منها التحليلات العلمية بالإضافة إلى ما وصلت إليه الأمور الخطرة داخليا وخارجيا.

إن العناوين الرئيسية لإمكانية الإصلاح التي طرحها الحراك والحالة الشعبية والحريصة على إصلاح النظام وحماية البلاد يجب أن تأخذ في الاعتبار عناوين عديدة من ضمنها ما يلي:

أولا: كان تبرير توالد الهيئات المستقلة نظريا قد انحرف في الواقع عن الأهداف النظيفة وأصبحت العديد من الهيئات المستقلة مستقلة عن التشريع المنسجم مع الدستور بل مستقلة عن فعل السلطات الدستورية ورقابتها، وأصبحت خلال مرور السنوات المنصرمة مرتعا يترعرع فيه الفساد وضرب العدالة والمساواة عرض الحائط، وإنعاش المحسوبية والشللية على حساب الاقتصاد الوطني وحقوق أبناء هذا الشعب.

ثانيا: إن القوات المسلحة والأمن العام والمخابرات العامة هي حصن الوطن وحماته خارجيا وداخليا غير أن تضاعف أرقام النفقات إلى حدود تجاوزت ثلث النفقات الكلية بعيدا عن الإفصاح والشفافية في تبرير ضخامة هذه النفقات مترافقا مع ما يتداوله المجتمع عن عطايا هي أمور لا يجوز استغلالها لمصالح تحرفها عن الأهداف المشروعة التي تمثل مصلحة البلاد والعباد، ويجب أن تخضع بكل وضوح لما فيه المصلحة العامة ومبادئ العدالة وروح الدستور.

ثالثا: إن تطبيقات الخصخصة التي أخلت بالأهداف الصحيحة للتطوير في الإدارة والإنتاج كمّا ونوعا، وفي اجتذاب الاستثمارات المفيدة، إن كل ذلك لا يجوز أن تُقلب الصفحة عنه، وتُغلق الملفات التي عناوينها العديدة تشير إلى ارتكاب (شبهات) الفساد، إن الإرادة الجادة للإصلاح تفرض فتح هذه الملفات، وفرز ما فيها من خلل مهما يكن أساسه تشريعا أو إدارة أو مصالح غير مشروعة للمسؤولين، عندها سيكون البرهان على أهداف من هم مع الأمن والاستقرار وحماية الوطن والنظام والدولة، ومن هم قد عبثوا أو يعبثون بهذه العناوين عبثا أوصل الدولة إلى حدود يصعب وصفها وخصوصا حينما يقول لسان حالهم إن الجميع مسؤولون، فهذا المنطق متهافت ومتناقض من أساسه، وهو منطق الذين يساوون بين الضحية والجلاد.

رابعا: إذا كان للانحراف والخلل والفساد مؤيدون بحكم مصالحهم وباستطاعتهم التأثير في تضليل شرائح وطبقات اجتماعية واسعة فإن على النخب باعتبارها الطبقة التي يجب أن تمثل الروافع الحقيقية لحماية البلاد وإشاعة العدالة والمساواة. على هذه النخب أن تغادر المساحة التي تختلط فيها الألوان والغايات إلى مساحة نظيفة شفافة من الصدق والجدية، وعلى الجميع أن يسترشدوا بموقف الخليفة العادل الفاروق عمر بن الخطاب حين سأل عن الإبل السمان، وقيل له إنها لعبدالله بن عمر كان موقف الفاروق حاسما وهو العدل بعينه أمام محاولات التبرير للأسباب الظاهرية لوضع الإبل التي يمتلكها ابن الفاروق، ذلك أن الحق حق والباطل باطل والفجوة بينهما واضحة لكل صاحب ضمير وحواس حقيقية.

فإمكانات الإصلاح دائما موجودة إذا توفرت إرادة الإصلاح وانتشار العدل والمساواة مقابل مصالح أهل الفساد وتبريرات الخلل والانحرافات. وتعتبر هذه الانتخابات والنتائج اللاحقة لها محكا ومختبرا للكشف عن الأمور والبراهين، وإن غدا لناظره قريب. واعلم يا هذا أنك مسؤول عن الإجابة عن سؤال، من أين لك هذا وكيف؟ حينها يكون الإصلاح جديا وحقيقيا.

العرب اليوم

أضف تعليقك