عمان بلا «بسطات»..أكثر أمناً وجمالاً

عمان بلا «بسطات»..أكثر أمناً وجمالاً
الرابط المختصر

صبيحة اليوم التالي لإجازة العيد، دخلت إلى جبل الحسين بحذر بالغ...كنت أنتظر الدخول إلى ساحة معركة بين رجال الأمن وأصحاب البسطات...توقعت مشاهدة عشرات السيارات المدججة بقوات الدرك ومكافحة الشغب...أصغيت بانتباه لما يمكن أن تكون صافرات لسيارات الإسعاف تهرع جيئة وذهاباً تنقل الجرحى والمصابين...حتى أنني توقعت أن أشهد عمليات “أسر” و”احتجاز رهائن” متبادلة بين الفريقين...كل هذا لم يحصل، جبل الحسين كان هادئاً على غير المعتاد...أكثر هدوءا من أي يوم مضى... الشوارع فارغة ونظيفة...لا أثر للبسطات وأصحابها (وبعضهم مسجل خطر)...لا أثر “للبنى التحتية” العشوائيات التي أقيمت عنوة فوق الأرصفة و”مسرب” من الشارع...الصورة بدت مختلفة تماماً عما كان عليه الحال منذ أزيد من عام ونصف العام.

في عطلة العيد، ذهلت بما استمعت إليه من قصص حول البسطات، تعديات أصحابها وتجاوزاتهم...أحاديث عن “الخاوات” و”البلطجة” و”الطعن” المتكرر...”زعرنة لم تعتق امرأة ولا طفلا ولا رجلا...حتى رجال الأمن بدو “عديمي القدرة” “قليلي الحيلة” حيال هذا الانفلات المُنذر بأوخم العواقب...سمعنا عن “عصابات منظمة” تقتتل مع بعضها البعض توزع “كواشين طابو” للأرصفة....تحمي هذا نظير مبلغ معلوم وتبتز ذاك...سمعنا عن “مولات” و”أسواق تجارية” يجري ابتزاز تجارها لفرض “خاوات”عليهم نظير حمايتهم...ومِمْنْ؟ من “حاميها حراميها”؟!

بدا أن الأمر قد بلغ نقطة اللاعودة...بدا أن أي تغيير للمشهد في وسط البلد وجبل الحسين وغيرهما من أحياء العاصمة، سيتطلب جراحة قاسية...كنت قرأت “تحذير” الباشا حسين المجالي، لكنني خشيت من “المداخلات السياسية” التي قد تعطل “القرار الأمني”...بيد أن حديث جلالة الملك في المسجد الحسيني، أشعرني بوجود “غطاء سياسي” صلب خلف القرار الأمني فأيقنت أن فوضى الشوارع والأرصفة في طريقها للنهاية قريباً.

أذكر قبل أعوام، أن “دورية” راجلة (وليست مؤللة) لموظفي أمانة العاصمة، كانت تكفي لإثارة الفزع في نفوس أصحاب البسطات (المتحركة والمحمولة) الذين ما أن يشتموا خبر وصول الدورية حتى يهرعوا لحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه من أحمالهم للهرب به من أمام سيارة جمع المواد المصادرة...يومها كان أصحاب البسطات من الفقراء و”الغلابى” الباحثين عن لقمة العيش الصعبة...كنا نتواطأ معهم بل نرشدهم إلى “ملاذات آمنة” يختبئون بها ويخبئون فيها بضائعهم الرخيصة وغالباً ما كانت من “الترمس” و”الفول” “والذرة المسلوقة”.

أما في الآونة الأخيرة، فقد اختلفت طبيعة البسطات و”هوية” أصحابها وبائعيها...ليست متحركة بل ناهضة على بنى تحتية صلبة....ليسوا فقراء ولا معدمين...ليسوا أفراداً بل شبكات....يثيرون الخوف وينشرون العنف والبلطجة...صارت الشرطة تخشاهم (دع عنك رجال الأمانة) ... تسللوا إلى الأرصفة ثم ما لبثوا أن “استوطنوها” ومعها نصف الطريق العام.. صار أصحاب المحال التجارية يطلبون الأذن منهم كي يدخلوا إلى محالهم أو ينزلوا بضائعهم...صاروا مصدر قلق وتحسب بعد أن كان أسلافهم مدعاةً للعطف والتضامن.

الدولة قادرة، وهي إن شاءت فعلت...المسألة ليست عند رجال الأمن، المسألة عند رجال السياسة...الدولة قادرة على استعادة هيبتها إن تُرك لمؤسساتها وأجهزتها أن تعمل بعيداً عن سياسات المحاباة والاسترضاءات و”الامتيازات”، وإذا قررت بسط سيادة القانون على الجميع من دون استثناء...الدولة قادرة إن قرر رجالاتها أنهم “رجالات دولة” وليسوا موظفين بنظام المياومة.

عمان أجمل من دون “بسطاتها” وأكثر أمناً وأماناً..دعونا نطالب “الدولة” بعدم التخلي عن وظائفها أو “الاستقالة” منها...دعونا نأمل أن يكون ما حصل من “تنظيف” لشوارع عمان، سياسة ثابتة، لا فزعة من فزعاتنا المعتادة بعد كل إشارة أوإيماءة أو زيارة ملكية.

الدستور

أضف تعليقك