على هامش اتفاقية القدس

على هامش اتفاقية القدس
الرابط المختصر

لسنا بحاجة إلى مصادر معلومات خاصة من هنا أو هناك، ولا إلى تأكيد مرجعيات موثوقة على هذا الجانب أو ذاك، كي نقول بثقة إن الاتفاقية الأردنية-الفلسطينية الخاصة بالقدس، جاءت تعبيراً عن "تقدير موقف" مشترك، صاغته قراءتان متطابقتان لأخطار داهمة، وأنتجته حسابات وتحسبات ثنائية متماثلة، وأملته ضرورات موضوعية ملحة تخاطب مرحلة سياسية قيد التشكيل، مفتوحة على سائر الاحتمالات التي لا تخص بيت المقدس فقط.

غير أن هذه المساهمة ستعرض عن ذلك كله، وتتحاشى الخوض في غمار نص هذه الوثيقة، لكي نتوقف عند إبداء عدد من الملاحظات التي تحلّق في الأجواء، بدون أن تقارب الخلفيات والنوايا والأهداف، ناهيك عن التوقيت الذي يشي بأن استحقاقاً ما يلوح في أفق قريب، بات يستدعي مثل هذا الاستعجال من جانب طرفين خرجا من قمة الدوحة الأخيرة مفعمين بالارتيابات إزاء مرامي مليار صندوق القدس، ومخاطر ضرب وحدانية التمثيل الفلسطيني.

أولى هذه الملاحظات تتمثل في أن هذه هي المرة الأولى التي يوقع فيها الطرفان الأردني والفلسطيني على اتفاق مكتوب. فبحسب ما أعلم، كانت هناك منذ قيام السلطة الوطنية مواقف متطابقة، وتفاهمات ضمنية، ومواءمات سياسية متبادلة، إلا أن الطرفين اللذين وقعا، كل على انفراد، اتفاقات مع إسرائيل، لم يسبق لهما أن مهرا معاً نصاً من أي نوع، حول أي جانب من جوانب العلاقات السياسية المتشعبة بينهما.

ثانيا، أن هذا الاتفاق الذي كرس الملك "صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة"، يقونن الدور الأردني ويشرعنه في القدس، بمصادقة رسمية فلسطينية هي الأولى من نوعها. وهو أمر يرقى على مسألة البيعة التاريخية الشفوية التي مضى عليها نحو تسعين عاماً، ويعلو مكانة حقوقية على وضعية الإقرار الفلسطيني السابق باستمرار الرعاية الأردنية المتواصلة للقدس والأوقاف الاسلامية، بل يتجاوز ما نص عليه اتفاق وادي عربة الخاص بالقدس.

ثالثا، أن هذا الاتفاق هو التعبير العملي الملموس عن أكثر مراحل العلاقات الفلسطينية-الأردنية دفئاً، أو قل هو التتويج على رؤوس الأشهاد لمرحلة ذهبية لم تشبها أي شائبة في عهد الملك عبدالله الثاني وزمن الرئيس محمود عباس، الأمر الذي يقطع الشك باليقين بأن هذه العلاقات المتعافية تماماً من كل الارتيابات والحساسيات القديمة، مؤهلة للصمود في وجه المتغيرات، ومن ثم البناء حجراً فوق حجر على مداميك راسخة في تربة جيو-سياسية متحولة، وحقائق ديمغرافية ثابتة.

رابعا، أنها السابقة غير المسبوقة التي لا تقوم فيها قيامة الفصائل والأحزاب والإعلام على كلا الضفتين، ضد أي خطوة أو موقف يصدر عن السلطة الوطنية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين و"حماس"، وكل المهووسين بنظرية المؤامرة. إذ باستثناء بعض الأصوات التي اعترضت على الشكل وتساءلت عن مغزى التوقيت، بدون أن تتناول فحوى النص، دخل المجال العام في الأردن وفلسطين حالة موافقة ضمنية لم تحدث هكذا من قبل.

خامسا، أن هذا الاتفاق الذي وقعه أول زائر كبير لدولة فلسطين المراقبة في الأمم المتحدة، هو بمثابة حائط صد إضافي لعملية "أسرلة" تسابق نفسها بنفسها في القدس، أو قل بمثابة كتف ذي مكانة دولية مرموقة نهض لحمل قسط كبير من العبء الثقيل، وذلك إلى جانب كتف منهك، أعيا صاحبه طول الوقوف وحيداً في ممر الماراثون، لعل القوم يأتون زرافات ذات يوم، ويؤممون وجوههم شطر أول قبلة للمسلمين، فكان الملك عبدالله أول الواصلين.

ختاماً، أحسب أن هذا الاتفاق الموقع بالتراضي، والذي جرى الاحتفال به وسط مراسم ملكية باذخة، هو بمثابة ربح صافٍ صب لصالح القدس، حاضراً ومستقبلاً، وقطع الطريق على العبث بالتمثيل الفلسطيني، فوق أنه كسبٌ تام لم يدفع فيه الطرفان لبعضهما بعضاً أي مقابل أو تنازل؛ فالوصاية الأردنية على المقدسات لا تنتقص من السيادة الفلسطينية على كامل إقليم الدولة المستقبلية. وفوق ذلك، بات لدى القدس غطاء قانوني يرتديه ملك يثق به الغرب، وتدرك إسرائيل أن عنده حائط لا يمكن القفز عنه

الغد