عفوك أيها العفو

عفوك أيها العفو
الرابط المختصر

عفوك أيها العفو ، فقد خذلتنا وأطفأت الحماس والأمل حتى  بقطرات من ماء كنا نحسبها ستثلج صدور موكلينا وأرحام أمهات ودموع أطفال ، كنا ننتظر وصولك بعد إنتظار طال بين الأزقة والمنحنيات وأقلام مشرعيين غيروا معانيك السامية  إلى مشروع جباية بإمتياز .

 

 

فعمق المعنى للعفو هو ما قال الإمام علي : "أحسن الإحسان ، وزكاة الظفر ، وعنوان النبل وتاج المكارم ، ومن لم يحسن العفو أساء بالإنتقام . "

 

 

فجاءت مسودة قانون العفو العام لسنة 2018 والتي هي الأن تحت قبة البرلمان كغيمة صيف لا تمطر ولا تندي من كثرة اللاء بها ( لا يشمل , ولا يشمل ...؟!!! ) حتى افرغ من معناه ؟!!!

 

 

فلو أخذنا حصراً القضايا المالية ، فقد شملت مسودة القانون فقط  المادة 2/ أ (و) 2/ ب/ 6 الشيكات غير المقترنة بالحق الشخصي بالإضافة إلى بعض الغرامات المفروضة عليها وبعض مخالفات السير .

 

 

وهنا أريد التنويه أن كل عقوبة سيسقطها العفو العام في قضايا الشيكات يستطيع الدائن بعدها مباشرة إما إقامة دعوى مدنية أو طرحه للتنفيذ مع الإدعاء بالحق الشخصي وإعادة الحكم على المدين وتنفيذ عقوبة الحبس مرة أخرى ، وبالتالي سيقوم الدائن بدفع رسوم إقامة دعوى جديدة ، وهنا تظهر منهجية الحكومة في فكر الجباية مجدداً ، وعدم أخذها للأبعاد الإقتصادية والإجتماعية في تكرار تنفيذ العقوبة .

 

 

ولا بد من الإشارة هنا إلى ميثاق العهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية والذي وقع عليه الأردن بتاريخ 20/4/2006  والذي تنص المادة ( 11 ) منه على ما يلي : " لا يجوز حبس أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بإلتزام تعاقدي " . كما تنص المادة ( 14 ) منه على ما يلي : " لا يجوز تعريض أحد مجدداً للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو أبرئ منها بحكم نهائي وفقاً للقانون " .

 

 

وتم نشر العهد الدولي في الجريدة الرسمية في عام 2006 ، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من القانون الداخلي ويحظى بالأسبقية على التشريعات الوطنية . إلا أن الواقع لم يطبق أياً من النصوص السابقة لا بل وخالفه .

 

 

كما إستقر إجتهاد محكمة التمييز الأردنية على أن المعاهدات والإتفاقيات الدولية تسمو مرتبةً على القوانين ولها أولوية التطبيق عند تعارضها معها .

 

وكما أن الشريعة الإسلامية لم تجز حبس المدين المعسر "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "

 

فالأصل أن الذمة المالية هي التي تكفل الدين وليس الجسد .

 

وأؤكد هنا أن التعديلات التي طرأت على قانون التنفيذ رقم (36 ) لسنة ( 2002 ) في مادته ( 22 / أ – د ) قد خالفت المعاهدات والإتفاقيات الدولية بهذا الشأن وكانت مجحفة وبعيدة عن الحقوق والكرامة الإنسانية ، فقد أجازت حبس المدين مدة لا تتجاوز ( 90 ) يوماً مع تكرار العقوبة إلى ما لا نهاية وحتى السداد التام ، وبذلك تفوق عقوبة القضايا المالية لأكثر من أربعة  قضايا عقوبة القتل والتي حسب قانون العقوبات تنفذ لمرة واحدة على الجاني .

 

 

حتى أن القانون في العهد الروماني بقسوته قد أجاز إسترقاق المدين المخل بوفاء دينه لمدة (60 ) يوماً فقط غير مكرر ، أي أنه أرحم من قانون التنفيذ الأردني المعمول به الأن بعد ألفي عام من القانون الروماني .

 

 

إن وجود (19500 ) نزيل في مراكز الإصلاح والتأهيل بالإضافة إلى ( 220000 ) ألف مطلوب للتنفيذ القضائي والعدد مرشح أن يصل إلى ( 300000 ) في نهاية ( 2019 ) ومعظمها قضايا مالية ، أي ما يقارب 5 % من عدد سكان الأردن عدا عن المتضررين نفسياً وإجتماعياً من ذوي القربى ، في حين تتحدث الدولة عن التكلفة العالية لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل وعن الإكتظاظ في السجون  ، فضلاً عن أن المدين العاجز عن الوفاء تسلب حريته ولا يستطيع العمل لسداد دينه وبالتالي لن يستوفي الدائن حقه ، ولا يجوز توريط أهله وذويه بتكفيله وزيادة عدد المطلوبين لنفس الدين وكأنها  قضوة عشائرية وعلى ذوي القربى الدفع بالدم .

 

 

بالإضافه إلى تحول مفهوم الحبس إلى أداة انتقام بيد الدائن ضد المدين العاجز ومحمية بنصوص القانون ، وهذا لا نستطيع أن نصفه إلا بقانون ينتهك القانون ويغتصب حقوق العدالة الإجتماعية وقيمها وينذر بروح إنتقامية وسلبية في مجتمع مبني عقده الإجتماعي على روح الطيبة والتسامح والسترة وعزة النفس .

 

 

على حكومتنا الكريمة أن تعي حقيقة  أن المواطن الأردني هو إنسان واعي ومثقف ولا يجوز التعامل معه بإستخفاف وإستفزاز ، وما الضائقة المالية التي يمر بها المواطن إلا إنعكاس مباشر لما يمر به الوطن من ضائقه مالية  وظروف محيطة وأزمة أقتصادية خانقة .

 

 

وعلى مجلس نوابنا الأكرم أن يسعى بمسؤولية شمولية لتوسعة هذا العفو كفرصة نجاة وتخفيف الإحتقان بطرق إبداعية ومنطقية تصب في المصلحة العليا لهذا الوطن ، وأن يرتقي قانون العفو العام إلى ما أمر به سيد البلاد من عفو يجسد معنى المسامحة .

 

 

وهنا أقترح التالي :

 

أولاً : إعطاء فرصة تصويب أوضاع للمدين  لبدء حياة عملية جديدة  ليتمكن من العمل والسداد . و / او

ثانياً: تخفيض مدة المحكومية إلى (21 ) يوم  حسب قانون التنفيذ قبل تعديلات (2002 ) مع عدم تكرار العقوبة على المدين مرة أخرى . و / او

ثالثاً : تفعيل المعنى الحقيقي من الغرفة الإقتصادية التي أستحدثت  في قصر العدل لعمل تسويات  لديون غير المقتدر وإعطاءه فترة سماح للعمل على أن يقوم بتسديد ما يقارب 5% من مجموع مديونيته كل عام  .

 

 

أخيراً حفاظاً على مصلحة الدائن والمدين علينا بإيجاد حلول خارج الصندوق بما لا يتعارض مع روح النصوص القانونية وذلك حفاظاً على المجتمع وعلى الترابط المدني وعلى أجيال ترتقي بهذا الوطن الغالي ونهضته .

 

*محامية

أضف تعليقك