عدم رفع الأسعار..ممكن

عدم رفع الأسعار..ممكن
الرابط المختصر

فلنفترض جدلاً حسن نوايا الحكومة ورغبتها في الخروج من المأزق الاقتصادي الذي يعاني منه الأردن والمتمثّل بشكل أساسي بعجز الموازنة، وضرورة تقليصه بمقدار 250 مليون دينار للحصول على دفعة البنك الدولي الأخيرة لهذا العام المقدّرة ب 258 مليون دولار، وعجز الحكومة عن الالتزام بتعّهداتها يمكن أن يعرّض تصنيف الأردن الائتماني للخطر، كما ذكرت الأستاذة جمانة غنيمات في مقالها في الغد منذ أيام، وذلك يمكن أن يؤدي إلى زيادة الفائدة على القروض الدولية مما يزيد حجم المديونية العام الذي وصل إلى 17.6 مليار دينار حسب التصنيف الائتماني الحالي، وهذا الموقف الصعب يستلزم وقفة وطنية شاملة للخروج من الأزمة.

 ولو تسامحنا مع فكرة أن تفكير حكومة الطراونة ومهاراتها المحدودة وقتها وتعوّد الحكومات على نمط واحد من الحلول وهو استسهال الاستدانة وفرض الضرائب على المواطنين ألزمت الأردن باتفاقية مع صندوق النقد الدولي سنعاني من تبعاتها لسنوات قادمة إن بقيت الحكومات تفكّر وتتصرّف بنفس الطريقة، فما الذي يتوجب علينا فعله للخروج من هذه المعضلة؟ هل الحلول التي طرحتها الحكومة من رفع للضرائب ورفع الدعم المترقب عن الخبز هي الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة؟

 عدد العمّال المصريين المقدّر في الأردن يتراوح بين ال 600 و800 ألف عامل، حسب القانون يمنع قدوم العامل إلا بتصريح عمل زراعي، بينما يعمل هؤلاء العمّال في شتى القطاعات. أغلب العمال يشترون هذا التصريح من أصحاب مزارع لديهم قدرة على استصدار تصاريح عمل من خلال واسطات أو رشاوي أو بطريقة نظامية أو يعملون بدون تصاريح أصلاً.

حسب تقارير المرصد العمّالي يتراوح ما يدفعه العامل لشراء تصريح العمل الزراعي بين 500 و1000 دينار سنوياً يدفعها لصاحب مزرعة أو شخص قادر على استصدار التصريح، لو قامت الحكومة بتصويب أوضاع العمال الموجودين في الأردن ويعملون إما بدون تصاريح أصلاً أو بتصاريح زراعية وهم يعملون بقطاعات أخرى يعمل بها المصريون كالبناء والمطاعم والتنظيف، ، وفرضت المبلغ الذي يأخذه أصحاب المزارع كعمولة فلنفرض بالحد الأدنى 200 دينار كرسوم وهذا أقل من المعدّل الحالي الذي يدفعه العمّال بكثير، ستذهب هذه العمولة وتقدّر بالحد الأدنى ب 120 مليون دينار سنوياً لخزينة الدولة وهذا هو المبلغ المتوقّع من رفع سعر الخبز، القرار الذي سيغضب عامة الناس بغض النظر عن موقفهم السياسي. هذا الوفر ليس الفائدة الوحيدة لعملية تصويب أوضاع العمالة المصرية التي لها دور كبير ومحترم في العملية الإنتاجية في الأردن، فتصويب الأوضاع يجعل تحديد كلفة العاملين في قطاع المقاولات الإنشائية أسهل وأكثر انضباطاً ويساهم ولو قليلاً بمحاربة التهرّب الضريبي في هذا القطاع.

طبعاً ما سبق ينطبق على بند واحد متعلق بتنظيم سوق العمل، فحسب مدير المرصد العمّالي أحمد عوض فإن خزينة الدولة الأردنية تخسر سنوياً ما يقارب 250 مليون دينار بسبب تقصير الحكومة وعدم قدرتها على تنظيم سوق العمالة الوافدة، لأن أعداد العمالة الوافدة غير المنظمة (التي لا تحمل تصاريح عمل) تقارب 800 الف عامل.

هذا بالإضافة إلى الخسائر الأخرى المتعلقة بالمنافسة غير العادلة مع العاملين الأردنيين. من المفهوم أن هذا القانون وُضع لحماية العمالة الأردنية وتوفير فرص عمل أكثر للأردنيين ولكن من الأرقام المبينة وأي نظرة إلى سوق العمل نجد أن هذا القانون فاشل بالقيام بالمهمة التي تم فرضه لأجلها، وواضح أن هذا العدد من العمالة غير المصرّح لها تعمل بسهولة بالسوق إما بسبب تقصير في الرقابة أو كما نسمع كثيراً بسبب الرشاوي التي تدفع للمسؤولين عن الكشف عن العمالة غير المرخصّة، عدا عن الاستغلال الذي يصل إلى حد وصفه بالاتجار بالبشر.

 في السياسة ليس هناك مكان للنوايا الحسنة، هناك استحقاقات وضرورات، واليوم نحن أمام ضرورة واستحقاق لإخراج الأردن من المأزق الذي أدخلتنا به الطريقة التي كانت تدار بها البلاد، الحكومات الأردنية دوماً تقول أن الحراك والمعارضة لا تطرح حلولاً، السؤال هنا هل تقوم الحكومة بذلك؟

أضف تعليقك