عاطلون أم معطَّلون؟

عاطلون أم معطَّلون؟

تُناقش مشكلة البطالة، غالباً، بالتركيز على إقامة مشاريع اقتصادية لزيادة فرص العمل، فيما  يُهمل الاستثمار بمهارات الفرد وقدراته، وتطوير التعليم الثانوي؛ الأكاديمي والمهني، ويغيب مفهوم التأهيل الوظيفي لدى الحكومات المتعاقبة!

يستهجن المرء كيف تقرع السلطة طبول الحرب والسلم ضد الإرهاب، وتشغلنا في الوقت نفسه بخطاب تسويقي لجذب المستثمرين، بينما الأجدى والأسهل أمام صاحب القرار أن يؤسس لنموذج تعليمي مغاير يقوم على تدريب عمالة ماهرة يمكنها الحصول على وظائف موجودة أصلاً في السوق الأردني، وفي أسواق الدول المجاورة.

لا تعني "التلمذة التطبيقية" تأهيل الحرفيين والمهنيين فقط، بحسب ما تم التعارف عليه منذ قرون عدة، فالدول الأوروبية وغيرها من الاقتصاديات الصاعدة (كالهند والبرازيل) توّفر تأهيلاً مهنياً لأغلب الطلبة في أثناء دراستهم، فهناك برامج تدريبية للمحاسبين والمهندسين والصحفيين والقانونيين والإداريين والمعلمين وغيرهم من حملة الدرجات الجامعية، إضافة لتدريب أصحاب مهن الحدادة والنجارة والسباكة والزراعة ومجال السفر والسياحة.. الخ.

تستلزم التلمذة التطبيقية الجمع بين الدراسة والتدريب في مستواها الأول، ثم توفير تدريب متخصص ومعمق للخريجين، وتصنف دولة مثل ألمانيا 342 مجالاً مهنياً معتمداً لتلقي التدريب اللازم، وفق قانون ينظم العلاقة بين الحكومة والشركات بدءاً من عام 1969، وقد تأهل أكثر من 75% من سكانها.

لم يعد ممكناً الالتحاق بسوق العمل والتنافس فيه من دون الحصول على التأهيل المناسب، الذي تقدم الدولة جزءاً منه في مؤسساتها التعليمية، والباقي يتلقاه المتدرب في واحدة من الشركات التي ترعى وتنفق المال (بالتنسيق مع الحكومة) من أجل تأهيل عمال وموظفين بحسب احتياجات سوق العمل الدائمة أو المستجدة.

بهذه الطريقة فقط يتسنى للطلبة والعاطلين عن العمل تطوير مهاراتهم، فيسهل عليهم العثور على وظيفة ملائمة، بدلاً من نسيان ما لديهم من معرفة بسبب امتداد فترة بطالتهم سنوات في الأردن والدول العربية.

وكذلك الحال بالنسبة لطلبة التعليم المهني الذين يجب أن تتجاوز دراستهم المتخصصة 3 سنوات بعد حصولهم على شهادة الثانوية/ الفرع المهني، وخلاف ذلك ستصبّ الميزة التنافسية دائماً في صالح العمال الوافدين الذين يتفوقون في خبرتهم المهنية (مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الخطاب ليس تحريضاً ضدهم بل دعوة لتطوير عمالة ماهرة أردنية ).

ولا داعي للتذكير أننا نفتقر لعمّال مهرة في العديد من القطاعات التي تدر مهنها دخولاً عالية، وأن عشرات آلاف المواقع الوظيفية لا يستطيع المواطن الأردني إشغالها بسبب ضعف مهاراته، وعدم وجود جهة حكومية أو خاصة قادرة على تأهيله.

تخضع برامج التلمذة التطبيقية لتطوير مستمر، بشقيها؛ النظري والعملي، وهو ما يتطلب تحديثاً ومرونة في النظام التعليمي الثانوي، تحديداً، تسمح للطالب بالانتقال من التعليم الأكاديمي (العلمي والأدبي) إلى المهني (وبالعكس)، وإمكانية أن يتعلم في أكثر من مسار في الوقت نفسه، أو يتمكن الطالب الأكاديمي من دراسة تخصصات مهنية في المعاهد العليا لاحقاً، والطالب المهني أن يدرس تخصصات أكاديمية في الجامعات، ويستدعي ذلك تغيير التعليم المهني وإغنائه نظرياً ومعرفياً، خاصة، بما يجعل شهادته موازية ومساوية للتعليم الأكاديمي.

لا تزال أنظمتنا أسيرة سلطتها الأبوية والوصائية على مواطنيها، وهي تعتقد أن تنمية الاقتصاد وحده من سيوفر وظائف جديدة لهم –رغم أن تغوّل الأمن يعيق إمكانية التنمية المنشودة- وتتجاهل هذه الأنظمة مطلقاً أن الثقة بالإنسان وتحسين معارفه وخبراته هي من ستبني الأوطان وتؤمن ازدهارها!

  • محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.
أضف تعليقك