صمت مريب!
يكاد المجتمع، بنخبه وعامّته، يمسح من ذاكرته القضية المزعومة ببيع حصة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي من أسهم بنك الإسكان، لشركة قطرية.
القضية تفجّرت قبل نحو شهرين. في البداية، "فزع" الجميع من الصفقة المزعومة، وخرجت تصريحات حكومية ومن إدارة "الصندوق" أيضا. وقيل في حينه إن أول جلسة تحكيم ستنعقد خلال شهر من ذلك الوقت.
أيضا، تشكلت لجنة متابعة نيابية، للوقوف على التطورات. وكان من المفترض أن تقدم هذه اللجنة توضيحات مطمئنة للرأي العام، وأن تبقيه على تواصل بشأن ما جرى ويجري.
لم يمضِ وقت طويل على كل ذلك؛ إذ خلال الأسبوع الثاني من الأزمة، خفت الحديث تدريجيا عن القضية، حتى نكاد لا نسمع ولو كلمة واحدة بشأن تطوراتها، وما هو موقف الأردن فيها. ليسود صمت مريب، مستمر حتى هذه اللحظة!
خلال الفترة الأولى، بررت الجهات المعنية سكوتها بالحفاظ على المصلحة العامة، وسريّة التحقيق. وقدّر الرأي العام هذا التحفظ. لكن الواضح أن الزمن يمضي، وحالة السكون مستمرة.
بعد مضي شهر على اكتشاف القضية، جاء موعد جلسة التقييم الأولى المقررة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حسبما أعلنت إدارة "الصندوق" في بدايات الأزمة. وهنا تباينت المعلومات.
إذ أكدت مصادر أن الجلسة عُقدت. فيما نفت إدارة "الصندوق" ذلك، في إجابة عن تساؤلات الإعلام الذي ظل مهتما بالموضوع. بعد ذلك، ساد الصمت الذي لم تخرج منه الأطراف ذات العلاقة؛ "أون ريكورد" أو حتى "أُف ريكورد"، حتى الآن.
اليوم، بات التوضيح مهما. وصار واجبا على المسؤولين الخروج علينا ببيان صحفي مدروس، وربما موافق عليه من قبل المستشار القانوني المتابع للقضية. وهذا ليس استثناء؛ ففي كثير من القضايا المالية الحساسة، يُقْدِم أصحاب العلاقة على تطمين ذوي المصلحة. والقضايا المرفوعة على البنك العربي في الولايات المتحدة أنموذجا. إذ يبادر البنك، من دون ضغط من هيئته العامة، إلى إصدار بيان صحفي حول مجريات القضية، ومن دون إلحاق ضرر بموقف البنك القانوني.
البيانات الصحفية من هذا النوع، وإن كانت مقتضبة، لها فائدتان: الأولى، أنها تعبّر عن تقدير إدارة البنك لمساهميها، واحترامها لرغبتهم في متابعة قضية تؤثّر عليهم، وعلى وضع البنك. والثانية، أنها تمثل دليلا على الشفافية والإفصاح، حتى في أهم القضايا وأكثرها خصوصية.
ثم إن سياسة التواصل تقدم خدمة أخرى؛ تتعلق بحماية الجهات المسؤولة تحديداً من فكرة الاتهام بالتواطؤ، لاسيما إذا ما جاءت القرارات النهائية سيئة حيال القضية. والمستغرب هنا هو كيف لا يُقْدِم المسؤولون على حماية أنفسهم قبل الآخرين، في ظل معرفتهم الدائمة بحساسية الأردنيين فيما يتعلق بأموالهم و"تحويشة" عمرهم؟!
على إدارة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي إدراك هذه الأبعاد؛ فهي مسؤولة أمام أصحاب الأموال التي تديرها، وهم الأردنيون على اختلاف مستوياتهم؛ وواجبها إزاءهم هو التواصل معهم، وتوضيح كثير من الإشاعات التي نمت واتسع الحديث عنها، نتيجة الفراغ الذي خلفته هذه الإدارة بسكوتها.
الكلام كثير حول مَن وقّع ومَن لم يوقّع على الصفقة المزعومة. وما يتم تداوله يُضرّ بمركز "الصندوق" في أذهان الناس، ويُعظّم مخاوفهم على مستقبلهم.
لا أحد يريد إيقاع الضرر بأموال "الضمان". والجهات المسؤولة ليست أكثر حرصا على صون هذه الأموال من أصحابها؛ فقليلا من التواصل.
الغد