صحوة العمال ويقظة الضمير

 صحوة العمال ويقظة الضمير
الرابط المختصر

ضروري أن يكون للعمال يومهم، لكن لا يحق لنا أن نستلب اليوم منهم؛ "نحتفل" بعيد العمال ونستمر في انتقاص حقوقهم وامتهان كراماتهم، ثم نريح ضميرنا بأننا "نحتفل".

هذه ليست دعوة إلى إلغاء يوم عيد العمال العالمي، من أجندة الأيام الوطنية، بل دعوة للتوقف أمام أنفسنا، لتأييد حقوق العمال، وإلى الاحترام الحقيقي والفعلي للعامل، ولا أعني هنا الشفقة الموسمية، بل رفض الظلم وتعديل القوانين لوضع حد للاستغلال والإذلال.

المسألة ليست فلسفية وجودية بحتة، فالكلام سهل، والكتابة لمن يجيدها مكسب شخصي لسمعة الكاتب أولا وأحياناً أخيراً، بل هي مسألة نضال وكفاح، فهي بالنهاية معركة مصالح، فالأقلية المنتفعة، هدفها تحقيق الحد الأقصى للربح، وكأن الراحة والرفاهة، هي حق طبيعي لمن يملك الثروة وشيء "مُحرم" على من لا يملك غير كَدّه وعرقه واستعداده القهري للتضحية بصحته من أجل قوت عائلته.

لا نستطيع الاعتماد على القيم والأخلاق، فمن السهل إدعاء الرحمة والتقوى، فيما نقسو وندوس على الضعفاء بيننا، لذا فإن لا سبيل أمام العمال إلا المطالبة بحقهم في الحياة الكريمة؛ من حقهم التظاهر والإضراب، ومن حقهم تشويش حياتنا، بل وإزعاجنا، فإذا لم يخترقوا جدران راحتنا فسنستمر في عالم من اللامبالاة غير آبهين بأوجاعهم وهمومهم.

عمّال الأردن، لن يتركونا في غيبوبتنا، فعدد الإضرابات والاحتجاجات، المتزايدة، هي ليست مؤشرا على مدى الاستغلال والجور الواقع عليهم فحسب بل هي أيضاً دليل صحوة عمالية ووعي بالحقوق، كسرت حواجز الخوف، متحدية القمع الرسمي وتحالف رأس المال والسلطة - الذي وصل إلى حد السماح بتشكيل نقابات أرباب العمل البديلة، لكسر شوكة العمال وتخويفهم.

التطور الأبرز كان في إشهار نقابات العمال المستقلة، إيذاناً بمرحلة نضالية جديدة، لاستعادة الاتحادات العمالية، من دائرة تأثير الأجهزة، وتدخل المتنفذين، وما تبع ذلك من تشويه لدورها النقابي، بما فتح المجال واسعاً لاستباحة الحقوق والقوانين، وإخراجها من النشاط الشعبي السياسي—خاصة وأن النقابات العمالية في الأردن كانت في صدارة مقاومة فرض السياسات الاستعمارية على البلاد.

تغييب العمل النقابي العمالي الأصيل، ساهم بل وكان شرطاً ضروريا لتنفيذ سياساة "اللبرلة"، التي عنت فعلياً تحرير الإجراءات الاقتصادية، وعمليات الخصخصة من الرقابة الشعبية، في إطار عملية التغييب السياسي الواسع للمشاركة والمساءلة، وهذا تكتيك تتبعه الحكومات لتكون في حل من قيود حقوق المواطن والمسؤولية.

لمن يزعجهم عودة الصحوة العمالية أسأل ما هي المشكلة في أن يطالب العمال برفع الأجور، لتتناسب مع غلاء المعيشة، وتحسين شروط التأمين الصحي، هذا إذا كان موجودا، وبتقليل ساعات العمل؟ أليس في ذلك مطالب إنسانية وحضارية الا إذا فهمنا الحضارة بإخفاء الفقراء والفقر عن عيوننا وقلوبنا تجنبا لخدش الحياء العام!

يشكو بعض أرباب العمل بأن بعض الإضرابات، تستعمل وسيلة لتصفية حسابات، من قبل منافسين أو ابتزاز من متنفذين، وقد يكون في ذلك صحة: لكن الحل يبدأ بتعديل واستحداث قوانين لضمان حقوق عادلة للعمال والتزامهم بها، وبتحرير النقابات من نفوذ التدخل والاحتواء، والذي رأينا بدايته في إعلان تأسيس النقابات المستقلة.

أما محاربة الحركة العمالية فهو ليس خياراً، فالمطالبة بالحريات، سياسية كانت أو عامة، هي مطالب مجتزأة، وفي بعض الأحيان مريبة، إذا خلت من المطالبة بالعدالة الاجتماعية، وحقوق العمال احدى أهم مكوناتها.

لا يمكن أن ننسى أن جذور الثورة التونسية مغروسة في انتفاضات عمال حوض المناجم في تونس، ونضالهم المستمر اليوم هو أهم ضمانة لاستمرار مطالب الثورة، وأن تحرك عمال المحلة الكبرى، في مصر في عام 2008، أشعل جذوة الثورة في النفوس، والتقطها شباب الميدان بعد عامين في شعار "عيش، حرة، عدالة اجتماعية".

الواحد من أيار هو ذكرى مسيرات عمالية وإضرابات، سادت أنحاء أمريكا في 1886 للمطالبة بتحديد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات، وكان الرد القمع والقتل، لتصبح المناسبة يوما عالميا للعمال لاحتفال وتجديد الكفاح للحفاظ على الحقوق و المطالبة بها.

لنجعل يوم العمال في الأردن مناسبة حقيقية، لا رمزية فقط، فليس كافياً إعلانها عطلة رسمية، نستمتع بالشمس والطبيعة ونخدع أنفسنا بأننا نقوم بواجبنا، فالقضية قضية حقوق، ولا سبيل آخر غير المطالبة بها وبأعلى صوت – فهذا النوع من الإزعاج هو واجب وطني وانساني.

العرب اليوم