شعب يهزم رئيسه ..؟!

شعب يهزم رئيسه ..؟!
الرابط المختصر

مهما كانت السيناريوهات المحتملة للحرب المروعة التي يشنها النظام السوري ضد المدن والبلدات، واستبساله الأسطوري لقطع دابر حركات الاحتجاج المنادية بإسقاطه، فأن الشعب السوري يبقى هو المنتصر في نهاية المطاف في هذه المواجهة غير المتكافئة، فعندما يلجأ بشار الأسد الى مصادرة أمن الناس وترويعهم باسم المحافظة على أمن سوريا، ويزهق الأرواح باسم المحافظة على الأرواح يكون قد فقد شرعيته بالفعل ولم يعد الممثل الشرعي للشعب.

نار الثورة التي أوقدها الأحرار في سوريا منذ خمسة أشهر ويريد النظام السوري أن يطفئها معتمدا على عصابته داخل سوريا وخارجها، أتت على أي بارقة أمل بعودة الحياة كما كانت سابقا، فسنوات الظلم والقهر المستمرة من ثلاثة عقود باتت بفعل الثورة جزءا من الماضي، فمن يتذوق طعم الحرية ويعرف أسباب العزة والكرامة يصعب عليه التنازل عنهما مهما كانت التضحيات والآلام، فالشعب السوري اليوم كسر حاجز الخوف وقطع شوطا طويلا في طريق نيل حريته وعزته، وهذا هو الوقود الحقيقي للثورة الأمر الذي أغضب الأسد وجعله مشدوها لما يجري حوله فهذا الذي يواجه الرصاص بصدره ورأسه ليس الشعب السوري الذي تعود على الخنوع والخضوع له وظل يهلل ويسبح بحمده لعقود طويلة، لكن .. هيهات هيهات !

تنفرد الثورة السورية عن باقي الثورات العربية في كل شيء فهي أشبه بمسلسل حزين يسقط أبطاله طواعية ويرحبون بالموت ولا يشكون أو يتذمرون من شدته كما بقيت منسابة كما النهر المكلوم في صمته، والدم هو الوحيد الذي ينادي على الأخوان ويطرق القلوب، وتعدت ذلك أيضا، فهي كشفت سوءات آخرين وفضحت آثام أصدقاء الأمس لها غير أنهم لا يتوانون عن منكر فعلوه وأكثر ما يثير الاشمئزاز حديث هؤلاء الأصدقاء عن وقوفهم الى جانب "الشعب السوري" بمواجهة الاستهداف الخارجي والمؤامرة التي تقف وراؤها أمريكا وإسرائيل _على حد تعبيرهم _، ولا أفهم عن أي شعب يتحدثون، هم بالتأكيد لا يقصدون ممن يموتون في الشوارع ليل نهار في سبيل لحظة حرية ودقيقة من كرامة، فهذا الشعب لا يشرفه أن يدافع عنه هؤلاء فمن يشهدون ويباركون جرائم النظام السوري على هذا النحو البشع لا يحق لهم أن يتلفظوا باسم الشعب السوري أو تطأ أقدامهم تراب أرضه.

وتكون المهزلة جديرة بالمشاهدة والمسرحية مفضوحة عندما يصرح كاتب صحافي موال لبشار الأسد أن ما يسمى بـ "الجماعات المسلحة" في سوريا هي بالأساس جزء من مؤامرة عالمية تسعى لإسقاط النظام السوري وأن حالات القتل والإبادة الجماعية التي ترتكب بشكل يومي هي أيضا مسؤولة هذه الجماعات، .. أي إعاقة وأي شلل يطغى على عقول هؤلاء، بئس ما يقولون، والله أنهم يعرفون حقيقة ما يجري في سوريا كما يعرفون أبناءهم.

لا يتوانى أبواق نظام البعث هنا في عمان وغيرها من عواصم عربية تسويق "اسطوانة المؤامرة" ضد "أسطورة المقاومة" بشار الأسد واصطياد ما تيسر من أصوات مترددة هنا وهناك لتقوية جبهتهم حتى لا ينفضح أمرهم أمام سيدهم في دمشق، حتى عشائر كبيرة وقعت في مصائدهم بينما في واقع الحال الولايات المتحدة ما زالت متمسكة بهذا النظام الدموي الفاسق، وتراهن بشكل جاد على تراجع الشعب عن ثورته، بينما تراقب إسرائيل الأوضاع هناك عن كثب وتتمنى هي أيضا أن تفشل الثورة في تحقيق أهدافها ويعود النظام مجددا الى "سلاح الخوف والكراهية" و"عصر العبودية" المورثة للشعب وهو السلاح الأكثر مضاء في احتلال الدول فعندما تقتل الوعي وتزرع الرعب في نفوس الناس تسهل السيطرة عليهم وبالتالي يكون الرهان على الشعوب خسارة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول لم تتخذ حتى الآن موقفا حازما من شأنه تغيير المعادلة السورية وإنقاذ الناس من آلة الموت اليومي إلا ان نظام الأسد يواجه حاليا مصاعب عديدة أمام تفادي العقوبات السياسية والإقتصادية الدولية التي أنهكته لوقف المجازر والفظاعات التي يرتكبها النظام بحق شعبة المتعطش للحرية، حتى بعدما "أشاع" عن تبنيه شعار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان عبر سلسلة من الخطوات الإصلاحية التي لم تر النور بعد، حيث ما زالت المشاعر المناهضة لسياساته في الإصلاح محط نقد على مستوى العالم أجمع.

أمام هذا الوضع الأمني المتفاقم يستلزم تدخلا سياسيا إقليميا سريعا وتحديدا من جانب النظام العربي الذي مازال يراهن على صمود نظام الأسد، رغم تزايد وتيرة القمع اليومي والمجازر التي يرتكبها بحق المحتجين وعدم القدرة على إحداث التغيير المنشود على الأرض رغم استشهاد واعتقال الآلاف منه، ذلك أن تردد دول عربية في كبح جماح الأسد وازدياد مساحة "الثورة" سيكون له تبعات واستحقاقات لن يسلم منها أحد.

أضف تعليقك