شعبٌ مسلَّحٌ وعنيف

شعبٌ مسلَّحٌ وعنيف

حذارِ أنْ تختلفَ مع أردنيّ على أولويةِ المرورِ عند دوّارٍ، أو إشارةٍ ضوئية. فأنتَ بصدد شعبٍ مسلّحٍ وعنيف، فقد تنجو من الحادث بإعاقةٍ، أو تموت. وفِي الحالين، فإنَّ الدولة تتكفّلُ بالجاني والمجني عليه، فلديها قضاءٌ عشائريٌّ، يتولّى التعاملَ مع "ساعةِ الشيطان" تلك. فإمَّا ثأرٌ وجريمةٌ أخرى، وإما صلحٌّ هشٌّ، وما يتبقّى "حقٌّ عام"، وأيُّ حقٍّ في هذه المهزلةِ المستمرّة.

 

حذارِ أيضاً من أيّ نزاعٍ قبليٍّ في أيّ قرية. وأيّ جامعة، وكلُّ الحذرِ من خلافات الرأي في البرلمان، والبرامج الحواريّة، فالأسلحةُ منتشرةٌ في كلِّ مكان، وتحت أحزمةِ الطلابِ، والنوَّاب، والسائقين، وثمةَ شكوى اجتماعية من ارتفاعِ أسعارها، بعد الكارثةِ السورية. التجارُ المرخّصون يتذمّرون، والمهرِّبون، والمستهلكون. هذه بلادٌ لديها "ثروةٌ وطنيةٌ" من المسدسات والبنادق والرشاسات الخفيفة والثقيلة، ولديها غاضبون مستعدون لمعركةٍ محتملة، ومحتفلون يُطلقون النار في هواءِ حفلاتِ الزفاف والتخرج، فيما يشرب مسؤولون القهوة في الحفل نفسه، وكلّ يومٍ ضحايا يسقطون بنيرانِ عدوَّةٍ، وصديقة.

 

 

هل المشهدُ كوميديٌّ، أم سورياليٌّ، ومَنِ الراعي الرسميّ للعنفِ والتسليحِ؟. لعلَّ السؤالَ نفسه يبدو هزلياً أكثر مما تحتملُ هذه الصورةُ القاتمة، مع وجود إحصاءاتٍ تشيرُ إلى أزيد من 300 ألف قطعة سلاح مُرخّصة، وتقديراتٍ تُرجِّحُ وجودَ مليون زنادٍ في البيوتِ والمتاجرِ والسياراتِ، وربما عشراتُ الملايين من الذخائر، فاقتناءُ السلاحِ زهوٌ قبليٌّ والسكوتُ عنه صفقةٌ بين الدولةِ والمجتمع.

 

 

الأشدُّ غرابةً هو استيعابُ الدولةِ لأسبابِ العنف، فهي لا تختلفُ مع النخبِ على أنّ وراء ذلك نظامٌ تعليميٌّ بدائيٌّ، وطبقةٌ وسطى تحتضرُ، وأزمةٌ اقتصاديةٌ خانقة، وفسادٌ ثقافي عام، يُضافُ إليهِ استهتارٌ متبادلٌ بالقانون، وضعفٌ بنيويٌّ في وظيفةِ السلطة، ومفهومها. هي نفسها لا تعرفُ المسافةَ بين الدولةِ، والعشيرة، بين المؤسسة، وديوان القبيلة. بين المسؤول وعائلته. بين القانونِ، والعُرفِ الاجتماعيّ.

 

 

لقد رعت الدولةُ الأردنيّةُ العنفَ عقوداً طويلةً، حينما تواطأت مع أسبابه. وهي لا تسألُ نفسها عن برامجِ امتصاصِ الكُلفِ الاجتماعيةِ لخطط ما يُسمَّى مجازاً بـ"التصحيح الاقتصادي"، وتضخُّم الطبقات الطفيلية، وهزال غيرها، واندحاره إلى الجوعِ والعنفِ والجريمة. تعاملت مع كلّ ذلك، بوصفه أدباً سياسياً يسارياً، لم تستطع دحضه، ومواجهته بأيّ تحسّنٍ بسيطٍ في معيشةِ الأردنيين، ولا بخفضِ المديونية، ولا بإنقاذ التعليم، واحتواء ما أفسدتهُ أكاذيبها على شعبٍ باتَ عنيفاً لأدنى سبب، ويقدِّمُ باستمرار خبراً صحافيّاً عابراً عن انتحارِ شابٍ، وموظفٍ، ومزارعٍ في سوقٍ واسعةٍ للبطالةِ، وإنشاءِ السلطةِ الرثِّ والركيك. ولا شيئ يتغيّرُ سوى استنساخ الحكومات، ولا شيئ ينمو إلا نفوذُ طبقةٍ وَاحِدَةٍ، تتسيّدُ بلاداً منهوبة.

 

 

عنفٌ مسلّحٌ يضربُ عميقاً في المجتمعِ الأردنيّ الْيَوْمَ، عنوانهُ وتفصيلهُ لا يكمنانِ في إخفاقِ السلطة المتراكم، وعجزها عن الحلول، فهذا يُكابده الأردنيون منذُ أكثر من عقدين. ما يكمنُ ويتعاظمُ الآن ليس إلاّ اليأس، وهو الذي يُطلقُ الرصاصَ على العشيرة، والأقاربِ، وعلى رؤوس تنتحر، وقد انقطعت خيوطه مع الآمالِ والفُرص، ولا يزالُ في مخزنهِ مزيدٌ من العتاد..!

أضف تعليقك