"شطحات" حول تشكيلة الأعيان

"شطحات" حول تشكيلة الأعيان
الرابط المختصر

سعى بعض المحللين والسياسيين، أردنيين وعربا، إلى إيجاد رابط بين تشكيلة مجلس الأعيان الجديد وبين ما يدور في جوارنا من صراعات، خاصة الأزمة في سورية. وراح هؤلاء يصنفون الأعضاء الجدد حسب مواقفهم من النظام في دمشق والمعارضة السورية، وقربهم من الموقف السعودي أو بعدهم عنه. وهكذا، خلصوا إلى القول إن صاحب القرار راعى في تشكيلة المجلس الجديد التوازنات الإقليمية الراهنة في المنطقة، في خطوة تمهد لاستدارة في الموقف الرسمي الأردني حيال الأزمة في سورية.

وعلى سبيل المثال، اعتُبر كل من معروف البخيت وسمير الرفاعي، مع حفظ الألقاب، من مؤيدي النظام السوري والداعين إلى استئناف الاتصالات معه؛ بينما تم تصنيف شخصيات مثل فيصل الفايز وصالح القلاب على "الكوتا" السعودية.

أعتقد أن مثل هذه التحليلات أقرب ما تكون إلى "الشطحات" الصحفية. ربما يكون بعض الذين ذكرت أسماءهم، وغيرهم من أعضاء المجلس الجديد، يتخذون مواقف متباينة إزاء الأزمة في سورية؛ منهم من يدعو فعلا إلى الانفتاح على سورية، ومنهم من يعادي النظام هناك ويقف في صف السعودية. لكن مثل هذه الاعتبارات هي آخر ما يفكر فيه القائمون على التشكيلة.

تشكيل مجلس الأعيان وغيره من الهيئات المعينة يخضع، في العادة، لاعتبارات داخلية محضة، في مقدمتها التمثيل المناطقي والجهوي والطائفي، مع لمسات بسيطة تخص الطيف السياسي. ففي المجلس الحالي، تم استبعاد اللون "الإخواني" مقابل تمثيل اللون اليساري مثلا. حتى الفئات التي خصها الدستور بالتمثيل، كرؤساء الوزارات، خضعت هي الأخرى لاعتبارات سياسية؛ إذ لم يدخل المجلس سوى أربعة رؤساء حكومات من بين 16 رئيسا على قيد الحياة.

ثانيا، وهذا هو الأهم في كون ما قيل "شطحة"، فإن مجلس الأعيان لم يكن يوما شريكا في صنع السياسة الخارجية وصياغة مواقف الأردن وعلاقاته الخارجية، لا بل إن مجلس الأمة بغرفتيه لا يشكل ركنا أساسيا في هذا الشأن. الموقف من قضية تخص المصالح الوطنية العليا للدولة كالأزمة في سورية، يُصاغ في إطار يضم ثلاث مؤسسات رئيسة، هي الديوان الملكي، والقوات المسلحة، والمخابرات العامة. ويضاف إليهم وزير الخارجية، ولا أقول الحكومة.

ما تبقى من مؤسسات وهيئات وشخصيات هي في الواقع جهات مستمعة. وأكثرها امتثالا لهذا الدور مجلس الأعيان، على خلاف النواب الذين يملكون هامشا أوسع للتعبير وتوقيع المذكرات التي تخص شؤون السياسة الخارجية، وليس أكثر من ذلك.

هذا الوضع ليس بجديد، إنما هو تقليد راسخ في الدولة الأردنية، لا تستطيع مؤسسة أيا كانت أن تتجاوز عليه.

بهذا المعنى، فإن الأعيان، ومهما كان موقفهم من الأزمة السورية والعلاقة مع السعودية أو غيرها من ملفات عربية مفتوحة تتداخل مع المصالح الأردنية، يظل دورهم محصورا في الاستماع وتقديم المشورة عند طلبها.

معظم المسؤولين خارج المؤسسات الثلاث التي ذكرت يتلقّطون الأخبار عن موقف الأردن من الملفات الإقليمية مثلهم مثل سائر الناس العاديين. عدا ذلك من تحليلات هي، وكما قلت من قبل، مجرد "شطحات".

الغد