"شريان الحياة".. من عمان إلى غزة
تتصاعد في العاصمة وبعض المدن الأردنية حملة النشاط الأهلية الهادفة ضخ مزيد من الدماء والأمصال والمساعدات في عروق قطاع غزة المتيبّسة ، بشراً وشجراً وحجراً ، بعد أن تعرض لما تعرض له من حروب التطويق والحصار والإبادة ، وبهذا تبرهن عمّان للمرة الألف ، على أنها بأهلها ونشطائها ، ومن شتى المنابت والأصول ، الأقرب لفلسطين والقدس وغزة على حد سواء ، شاء من شاء وأبى من أبى.
نقابيون وسياسيون ونشطاء مدنيون وشخصيات وطنية واجتماعية ، تداعت لتجهيز القافلة الأردنية التي ستلتحق بأسطول البواخر الذي سينطلق من ميناء مرسين ، تحت رايات تركيا العدالة والتنمية ، لتلتقي مع بواخر الصداقة التي ستنطلق من اليونان ، تلك البواخر التي لا تعترف على ما يبدو بأزمة بلاد الإغريق المالية والاقتصادية ، وتصر على مواصلة ما دأب اليونانيون على فعله دائما ، من تقديم كل أشكال الدعم والإسناد للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة والمشروعة ، فضلا بالطبع عن الباخرة الإيرلندية التي سترفع لواء التضامن الأممي مع شعب فلسطين المعذّب والمجوّع.
أزيد من ألف متضامن ستحملهم قافلة شريان الحياة الرابعة على متنها ، من بينهم أردنيون من مختلف مواقع العمل ، سيلتحقون بها محملين بما تجود به النفوس الطيبة للأردنيين والأردنييات ، الذين لن يقصر فقيرهم قبل غنيّهم عن مد يد العون للأخ والأخت ، للشقيق والشقيقة ، في غزة البطولة والحصار ، فالفلسطينيون والأردنيون الذي وحَّدهم الدم والمصير والتاريخ والجغرافيا ، اقتسموا من قبل ، وهم يقتسمون اليوم لقمة العيش على مرارة الظرف وصعوبة الأحوال.
وستكمل قافلة "شريان الحياة" الأردنية ، ما بدأته المستشفيات العسكرية الميدانية التي أقامتها القوات المسلحة ووفرت الدواء والعلاج لعشرات ألوف الفلسطينيين في القطاع المنكوب ، وأنقذت مئات الحيوات البريئة والمحتاجة ، وستكتمل بها صورة الموقف الأردني المتضامن ، رسميا وشعبيا ، مع شعب فلسطين ، أقصى حدود التضامن والتكافل.
هي مبادرة كريمة وشجاعة ، وطنيا وقوميا وإنسانيا ، تلك التي تطلع بها "لجنة شريان الحياة النقابية" والنقابات المهنية عموما ، تستحق كل الدعم والثناء والإسناد ، والمأمول حقا من ذوي الاقتدار المالي والملاءة الاقتصادية أن يضعوا بتصرف اللجنة والقافلة ، ما يمكنها من أداء دورها بالمستوى الذي يليق بخصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية.
ومما لا شك فيه ، أن مبادرة من هذا النوع ، وفي هذا الوقت بالذات ، تأتي مصداقا لكل الطروحات الوطنية والقومية ، التي تؤكد صلابة الوحدة الوطنية ومتانة الجبهة الداخلية وتماسك البنيان الأردني وخصوصية العلاقة الأردنية - الفلسطينية.
أضم صوتي لصوت وائل السقا وأحمد طبيشات وفتحي أبو نصار وبشير الزميلي (مع حفظ الألقاب لهؤلاء جميعا) ، في دعوة رجال الأعمال والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية للتبرع السخي للقافلة الرابعة من "شريان الحياة" الأردني إلى غزة ، وأهيب بصحافتنا وإعلامنا الوطنيين ، شحذ الهمم والأقلام لتحويل هذه الدعوة إلى مناسبة وطنية جامعة ، يتبارى فيها الأردنيون من شتى المنابت والأصول ، لفعل الخير والتعبير عن رفعتهم الوطنية وأصالتهم القومية وروحهم الإنسانية.
إن غزة البطولة والحصار ، أحوج ما تكون اليوم لرغيف الخبز وكيس الاسمنت والكلمة الحرة الصادقة ، لمواجهة ما تتعرض له من حرب استنزاف وتجويع وتقطيع شرايين تشن عليها من قبل عدوها التاريخي الكاره والحاقد ، وبتواطؤ مكشوف من ذوي القربى الذين قال الشاعر ما قاله عن ظلمهم الأشد مضاضة.
فلنتقدم من غزة وأهلها بكل ما تطاله أيدينا وأقلامنا وألسنتنا ، فهي تستحق منّا كل التقدير والتضامن والاعتزاز ، بعد أن أدت قسطها للعلا ، وقاتلت باسمنا ونيابة عنّا ، العدوانية والعنصرية المنفلتتين من كل عقال.