سيخرج بوتين مهزوما من حربه على أوكرانيا، وسيندم من وقف إلى جانبه
بقلم مفيد الديك
مر أكثر من 100 يوم على اجتياح جيش بوتين العرمرم، الذي كان يعتقد أنه الجيش الثاني في العالم، أوكرانيا، وهو لم يستطع حتى الآن سوى احتلال – أو بالأحرى تدمير – مدينتين أوكرانيتين بالكامل. لم أر في حياتي هذا القدر من الدمار الوحشي والقتل الهمجي والاستهداف اللاإنساني المرضي للمدنيين مثل ما رأيت في هذه الحرب من دولة كانت تعتقد، وتروج أنها دولة عظمى. هذه ليست دولة عظمى بأي مقياس؛ هذه دولة متخلفة بقيمها، ومتخلفة بثقافتها ومتخلفة بمعايير عيشها داخليا وخارجيا ومتخلفة بمسلكها الذي تجلى في مسلكيات جيشها الوحشية في أوكرانيا من اغتصاب للنساء وقتل للمدنيين من الأطفال والشيوخ – والنهب الذي مارسه هؤلاء الانكشاريون الجوعى الذين دخلوا أوكرانيا لاحتلالها كلها خلال 96 ساعة، كما كان يعتقد رئيس العصابة بوتين. بوتين هذا أثبت أنه رئيس عصابة فعلا بطريقته الفجة التي يدير بها هذه الحرب الهمجية، غير المبررة أبدا على جارته أوكرانيا، الدولة ذات السيادة والعضو الكامل في الأمم المتحدة. لا عليكم سوى أن تنظروا إلى الكيفية التي يدير بها بوتين اجتماعاته مع وزرائه وكبار مستشاريه. فهو يبدو كمدير مدرسة ابتدائية أرعن، جاهل، وهو يحمل عصا طويلة يهدد بها طلبة الصف الأول الابتدائي في مدرسته.
لقد هُزم بوتين بالفعل بعد أقل من شهر من اجتياحه أوكرانيا حين حاولت عصاباته تطويق العاصمة الأوكرانية كييف ثم اضطرت للانكفاء مهزومة، مدحورة بعد أن عجزت عن اقتحام الدفاعات الأوكرانية، رغم الفرق الهائل في العدد والعدة بين الجيش الروسي والأوكراني. ولكن بوتين سيهزم هزيمة نكراء أكبر مع استمرار هذه الحرب التي تراجعت فيها أهدافه من اجتياح كل أوكرانيا إلى محاولة إكمال سيطرته على إقليم دونباس شرق أوكرانيا، رغم أنفه لأسباب عديدة. أول هذه الأسباب عدم تقديره لقوة المقاومة التي سيبديها الأوكرانيون أمام جيشه، وثانيها عدم إدراكه حالة الضعف الشديد والفوضى وسوء الإدارة المقززة التي تميز بها أداء جيشه، وثالثها عدم تقديره لحجم وصلابة وتماسك حلف النيتو في رده على حربه الهمجية على أوكرانيا.
يعتقد الكثير من الخبراء والمحللين الغربيين، بل والروس الذين هم خارج بلادهم، أن بوتين ربما يضطر للانسحاب ليس فقط من الأراضي التي احتلتها عصاباته في المئة يوم الماضية – وهي احتلالات متواضعة جدا بالنسبة إلى أهدافه الأصلية والدمار الذي لحق بعديد جيشه ومعداته، بل ومن الأراضي التي احتلتها جحافل قواته في العام 2014 من أوكرانيا – شبه جزيرة القرم وثلث إقليم دونباس. ويعتقد هؤلاء أن بوتين سيضطر إلى ذلك لكي ينقذ نفسه ونظامه من هذه الورطة التي وضع نفسه فيها بدون أي مبرر سوى أن يظهر للمعسكر الغربي أنه مستعد للمغامرة من أجل تحقيق ما يصبوا إلى بنائه – أي الإمبراطورية الروسية!!
لقد غيرت حرب بوتين القذرة المشهد العالمي ونظامه الأمني الذي وضع بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومرة أخرى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. هذه هي الحرب الثانية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية التي كان يُعتقد أنها الأخيرة في القارة الأوروبية. فالأولى كانت في منتصف تسعينيات القرن الماضي حين شن أنصار بوتين والقوميين الروس حربهم على البوسنة والهرسك ذات الغالبية المسلمة وكرواتيا. كلنا نعرف كيف انتهى الحال بمن قاد تلك الحرب، الزعيم الصربي القومي العنصري سلوبودان ميلوسوفيتش، الذي انتحر في سجون محكمة الجنايات الدولية بعد تسليمه للمحكمة من قبل سلطات بلاده التي انقلبت عليه. وهذا ما يُعتقد أنه سيكون مصير بوتين رغم مكابرته ورعونته وصلفه وكذبه على نفسه وعلى مواطنيه، ورغم مقتل عشرات الآلاف من جنوده الفقراء الجوعى وعشرات الآلاف من الأوكرانيين بالطبع.ٍ
وللتدليل على غباء تقديرات بوتين، سأذكر نقطتين فقط: فبدلا من إبعاد الناتو عن حدود بلاده كما قال حين بدأ هذه الحرب، هناك الآن أكثر من 100 ألف من جنود النيتو منتشرين حول حدود روسيا، بكامل عددهم وصواريخهم التي تستطيع تدمير كل المدن الروسية خلال ساعات، ثم إن بلدين من بلدان أوروبا كانتا تتبعان سياسة الحياد بين المعسكرين الغربي والشرقي لأكثر من 100 عام، وهما فنلندا والسويد، ستدخلان الآن في عضوية النيتو خلال أشهر قليلة. ثم هناك بلدان أحدهما في أوروبا والثاني في آسيا – ألمانيا واليابان – غيرا من عقيدتيهما التين تبنتاها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ إنهما الآن مستعدان لنشر قوتهما ومعداتهما العسكرية الضخمة خارج حدود بلديهما. أقل ما يمكن وصف عمل بوتين بغزوه أوكرانيا به هو أن بوتين ارتكب غباء استراتيجيا.
حرب بوتين، باختصار شديد، تسببت في التالي:
- أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وجرح مئات الآلاف من الأوكرانيين والروس؛
- أدت إلى دمار شامل في مدن أوكرانية كخيرسون وماريوبل وخاركيف، وتقدر المؤسسات المالية الدولية خسائر أوكرانيا على صعيد البنية التحتية بأكثر من 600 مليار دولار؛
- أدت إلى إنهاء التفاهمات الأمنية التي كان قد تم التوصل إليها بعد الحرب العالمية، ما دفع العديد من دول المعسكر الغربي إلى التخلي عن عقيدتها السابقة في التعامل مع مسألة الأمن فيها؛
- دفعت العديد من الدول الأوروبية وغيرها في المعسكر الغربي إلى رفع ميزانياتها العسكرية من 2% إلى 4% من ناتجها القومي الإجمالي، وهي مبالغ تُقدر بعشرات مليارات الدولارات التي كان يمكن إنفاقها على التعليم والاقتصاد والتنمية، بل والمعونة الخارجية للدول الفقرة وغير ذلك؛
- أدت إلى أزمتي طاقة وغذاء غير مسبوقتين أدتا إلى ارتفاع نفقات العالم على هاتين المادتين وإلى تجويع عشرات الملايين من فقراء العالم؛
- وأخيرا أدت هذه الحرب إلى تدمير الاقتصاد الروسي وعزل روسيا بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية.
أكثر التصريحات صدقا من قبل الجانب الأميركي تحديدا خلال هذه المئة يوم من حرب روسيا على أوكرانيا هو تصريح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قبل حوالي شهر، وهو أن التحالف الغربي لن يسمح بخروج روسيا من أوكرانيا بنفس القوة التي كانت بها حين غزت أوكرانيا في 24 فبراير الماضي. روسيا التي تئن تحت وطأة عقوبات غير مسبوقة في التاريخ بلغت أكثر من 6000 عقوبة حتى الآن لن تستطيع مجاراة 30 دولة أو أكثر من دول المعسكر الغربي التي ستواصل دعمها إلى النهاية لأوكرانيا حتى تحقق النصر على بوتين المعزول، المنبوذ الذي لا يستطيع الآن زيارة أكثر من أربع دول في العالم – كوريا الشمالية، إيران، الصين وبيلاروسيا. بوتين سيكون سعيدا إذا خرج من هذه الحرب من دون خسارة نفسه أو نظامه أو الاثنين معا. تذكروا ما حصل للاتحاد السوفياتي حين غزا أفغانستان في الفترة ما بين 1980 – 1989. لقد كان ذلك الغزو بداية نهاية الاتحاد السوفياتي.
وأخيرا، إلى من يؤيدون بوتين في حربه المدمرة وغير المبررة والهمجية على أوكرانيا في العالم العربي: لا أفهمكم. بوتين هذا ليس أحد زعماء الاتحاد السوفياتي الذي كان يقف بصورة تلقائية مع الجانب العربي على مدى خمسين عاما. بوتين هذا ليس زعيما ديمقراطيا، ليبراليا أو اشتراكيا يريد أن يساعد فقراء العالم على محاربة أغنيائه أو ضعفائه للتصدي لأقويائه. بوتين هذا هو زعيم عصابة عنصري، قومي، ديكتاتوري وقمعي، وهو قتل وسجن المئات من معارضيه السياسيين ويقوم بتسميمهم بالعناصر الكيماوية. بوتين هذا كان أحد أربعة زعماء يهمني أمرهم ممن لم يشجبوا أو ينددوا بمقتل الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة على يد القوات الإسرائيلية. بوتين هذا له وجود في دولتين فقط في العالم العربي حاليا – سوريا وليبيا. ولا أحد لا يرى الدمار والقتل الذي تسبب فيه هذا المجرم في هذين البلدين على مدى سنوات.
ثم إن بوتين هذا يأتي إلى العالم العربي لنهب موارده البترولية والمالية كما الحال في سوريا أو ليبيا، وهو لا يقدم مليما واحدا لأي مواطن عربي أو مشروع تنموي عربي. أتمنى أن أرى أو أسمع عن مشروع واحد تموله روسيا في أي بلد عربي. ليس هناك ولو مشروع واحد أبدا. هذه هي حقيقة بوتين، أصدقائي. أما القول إن بوتين سيشكل محاولة جدية لإعادة رسم توازنات القوة في المشهد العالمي وإضعاف أميركا والمعسكر الغربي وخلق عالم متعدد الأقطاب فهو مجرد جهل وهراء غير مدعوم بأي سند أو حقيقة أو دليل. هذا رجل لا يحب سوى نفسه وهو سيكون ضحية لطموحاته التي هي أكبر منه ومن إمكانياته بكثير.
- مفيد الديك إعلامي أميركي عربي ودبلوماسي أميركي سابق.