سوريا .. إذ توشح أبناءها بالشهادة

سوريا .. إذ توشح أبناءها بالشهادة
الرابط المختصر

ثمة أشياء ليست كالأشياء في سوريا .. من قبل الثورة ومن بعد .. أبيضت وجوه واسودت وجوه ..

وصار الليل زوادة المحتج وضالة الغاضب، وما عادت الحارات كما كانت، ولا الحب ولا البسمات، والموت صار صديقا وحبيبا حتى صرنا نلقاه في الطرقات .. لكن سوريا لم تتعب.. رغم جرحها الغائر ونزفها الجارح .. صحيح أنها تغفو، وتصحو وهي توشح أبناءها بالشهادة كل يوم، وتزرعهم كرامات في أرضها، وشهبا في سمائها، وعطرا وياسمين على جباه صغارها .. غير أنها حالمة بدنيا من الحرية ورصيف كرامة تجثو عليه مراكبها القديمة .. فلا أشهى من خبز مبلل بماء حرية، ولا أطهر من امرأة تنجب بعيدا عن أحكام عرفية ..

لا أحد اليوم يقرأ دموع سوريا ولا أحد يرى جراح سوريا، ولا أحد قلبه على سوريا حتى صدرها المثقوب لا أحد يحصي رصاصاته، أو يبصر بكاء صغارها أو نواح نسائها حتى أن أحدا لم يسمع هدير الجنازير الممتدة في أرجائها المعتمة، أو يلحظ شبيحة الفرقة 12 .. لا أحد يحس بسوريا ولا يرى دموعها الحارة ..

سوريا .. ما حق للأسد أن يلوث ماءك أو يحفر قبرك أو ينتهك عرضك .. أنت .. أنت لن تتغيري سوريا الثورة والمكان والزمان والحرية .. والأشياء تبقى هي الأشياء وسوريا تظل هي هي المعاش والممات معا .. تحبها أو تكرهها لا سبيل أن تختار.

وسوريا الآن عاتبة على كل الذين تمرغوا في فراشها ذات يوم وتسكعوا في حدائقها وسكروا من كؤوسها _ نهاية كل أسبوع _ .. متنكرين لها اليوم بعد أن اشتراهم الأسد بثمن بخس وقالوا عنهم قوميون وعروبيون، بئس ما يقولون.. أين هم ألم يسمعوا عن أوجاعها وعذابات أبنائها وصراخ نسائها .. ومع هذا لا يسمح لها كبرياؤها ان تعترف بحزنها وجوعها ومتاعبها..

سوريا الرقيقة، الجميلة، العذبة، .. سوريا يا وجع لا ينتهي وحزنا أبدي .. لا تأبهي بعد اليوم ظلما أو جورا ماثل، ففجرك آت وصباحك مشرق، واعلمي أن حلم أبنائك الجوعى في درعا أو حماة أو البوكمال آت، حريتك وكبرياؤك وبشارات لم تتعوديها كلها آتية، .. "فالطاغوت" أدرك حقيقة مأساته ولعق جميع جراحاته وها هو يوشك على الرحيل بعد أن يلملم رصاصاته وبقية أزلامه وقليل من كرامة أنعم بها عليه الجيران _ إسرائيل _ ، وستكتبين بعدها ... آه ما ألذ طعمك يا حرية

حتى الشيخ ذو اللحية الكريمة "البوطي" خان القضية ومزق "الوصية" .. وانحاز "لحجاج الشام" الا تخبر يا شيخ شهيد الرأي العالم "سعيد ابن جبير" عندما عارض الحجاج وقال له "أخطأت، ظلمت، أسأت، تجبرت"، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح، ودعا دعوته المشهورة اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد من بعدي ومات بعدها الحجاج بدم جبير..

كيف تساوي ياشيخ بين الضحية والجلاد.. هل ظل من شيخوختك ما يستحق هذا الانحياز الفاضح أم هي "رشوة الحاكمين".. وماذا تبغي من عزة من وراء طاغية الشام، الم تقرأ أيها الشيخ قول الشاعر" فيا قومي أعز الله قومي دعوا سفها احتجاج او شكاتي فان الحق لا يعطى بشكوى تقدر والجريمة في سبات هما شيئان عز او ممات وغيرهما حياة كالممات".

كيف تنحاز لمن لا قيمة لبشر أو حجر عنده .. اغتال الورد والطفل والحنين، ما ذنب طفل الريف والمدينة والحارة : حمزة الخطيب و مؤمن مسالمة وحسام المولى و "حلا الرضيعة" .. الم تعرف بعد أن موطئ "بسمة" اكبر من موطئ رصاصة وموطئ دمعة على ساحل الخد أعظم من "كرسي النجاسة" وهل يساوي هذا الكرسي يا شيخ كل هذه الدماء والأعمار التي تمزقت والأعراض التي استبيحت.. لكن هل يعلمون أو يتذكرون .. إذا هم الأنجاس لو يعرفون.

ألم أقل لكم هي أشياء ليست كالأشياء من قبل "الثورة" ومن بعد ..؟!

أضف تعليقك