سنوات الضياع: بمناسبة قانون الانتخاب
الحكومات تعمل ليومها وتفصل القوانين على مقاسها والشعب يغفر زلاتها .
هل كان بالامكان احسن مما كان? نعم كان لكن الحكومة ارتأت ان القانون الجديد للانتخاب هو ما يناسبنا في هذه المرحلة, حيث لا توجد تقاليد ديمقراطية ولا احزاب سياسية قوية وفاعلة. وهو في كل الاحوال قانون "مؤقت" يغيّره من يأتي الى الدوار الرابع في المستقبل.
الحكومة السابقة قالت لنا انه لا يمكن تعديل قانون الانتخاب قبل قانون الاحزاب فلا بد من تطوير الحياة الحزبية وتنميتها اولا ليصار بعد ذلك الى وضع قانون انتخاب يستند الى نظام حزبي نشط, فقلنا "آمين".
جاءت الحكومة الجديدة "حكومة الرفاعي" فاكتشفت ان قانون الاحزاب الجديد لم يساهم في تطوير الحياة الحزبية وسجل وزير التنمية السياسية تحفظات علنية عليه. ونظراً لضيق الوقت لا مجال لتعديله بعد حل البرلمان والتوجه لانتخابات مبكرة.
حكومة الرفاعي غير مسؤولة عن فشل قانون الاحزاب في تحقيق اغراضه والمساءلة بأثر رجعي في الاردن غير واردة.
وعلى هذه القاعدة بنت الحكومة نظريتها في اعداد قانون الانتخابات الجديد.
الحكومات الاردنية تعمل ليومها فقط, وهي غير مسؤولة عن النتائج المستقبلية ولذلك اعتمدت "تفصيلة" لقانون الانتخابات تناسب مقاسها ومزاجها السياسي, قانون يحافظ على القواعد التقليدية للعبة السياسية التي تعطي للسلطة التشريعية دوراً محدوداً في آلية اتخاذ القرار, وتضمن للقوى المتنفذة الحق في توريث المناصب وتوزيعها في دائرة ضيقة من رجال الاعمال واصحاب المصالح.
ايام قليلة ويهدأ الجدل حول قانون الانتخاب, سيقول المعارضون والمؤيدون رأيهم, ثم ينخرط الجميع في اجواء الحملات الانتخابية والاجتماعات العشائرية والمناطقية بحثا عن الاجماعات.
وسيتبدى المجتمع قطعة كبيرة من الفسيفساء, فالقانون الجديد لم يترك هوية فرعية الا وحرص على انعاشها, في مسعى من واضعيه لدعم التنوع الاجتماعي.
في غمرة الصراع بين رجال المال واصحاب النفوذ العشائري على مقاعد البرلمان, لن يكون بوسع احد ان يلحظ الاثر الكارثي للقانون ما دامت الانتخابات نزيهة كما تعد الحكومة, لكن بعد ان ينقشع غبار المعركة ويستقر النواب الجدد تحت قبة البرلمان سنرى باعيننا النتيجة, ولا نعلم حينها اين ستكون الحكومة الحالية. المؤكد ان حكومة جديدة ستأتي بعد سنة او سنتين من عمر البرلمان المقبل وتقول: "انظروا ماذا فعلت الحكومة السابقة لقد جلب قانونها مصيبة, دعونا نحاول ان نغير شرط ان تنسوا الماضي وتغفروا الزلة". سنوافق بالطبع كما فعلنا من قبل وعلى هذا المنوال ستمضي مسيرة الاصلاح في الاردن. حكومات تورث المصائب وشعب غفور يعيش على الأمل. وما المشكلة في اضاعة اربع سنوات في تجربة نظام انتخابي قائم على الوهم.