سلاح فتاك

سلاح فتاك
الرابط المختصر

 

في كتاب «العلم ضد العالم الثالث»، يشرح المؤلف كيف يتم استخدام العلم ومنجزاته بوجهات منحرفة، وباعتباره سلاحاً، وأداة لاستغلال العالم النامي؛ بينما نرى اليوم كيف يتم بالمقابل استخدام الدين بوصفه سلاح دمار شامل ضد العالم بأسره.

 

قد يرى البعض في هذا واحداً من أعراض التحولات الشاملة العميقة، التي تترافق مع موت منظومة عالمية وولادة نظام عالمي جديد. وهي العملية الطويلة والمريرة، بحسب ما أشار مؤخراً وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي يذكر أن «العادات السيئة تموت ببطء شديد». وقد يرى فيها بعض آخر من الساسة الغربيين والعرب، نتيجة طبيعية لاستقرار أنظمة ديكتاتورية أطول مما يجب، ونتاجاً لعقود من التعدي على الحريات والتجاوز على حقوق الانسان، وتهميش المجتمع المدني.

 

أياً يكن الأمر، يمكن للمرء أن يلاحظ أن في ظاهرة استخدام الدين كسلاح ما يؤيد وجهات النظر السابقة، وسيلفت الانتباه كذلك أن الحيثيات في كثير من الأحيان تتجاوز ذلك إلى ملاحظات خطرة، ومنها أن الظاهرة الدينية المسلحة تُركز في بلدان العالم الثالث الواقعة في فلك الثقافة الإسلامية على هدم وتدمير الدولة العصرية، وأن أدنى نجاح لها في هذا المضمار بتحول مباشرة إلى حالة من «تطويب» فوري لقطاعات واسعة من المجتمعات المحلية، التي يتضح أنها لا تقوى في ظل ضعف الدولة على مواجهة «السلطة» الجديدة، وتفشل في إظهار الحد الأدنى من المقاومة، الطبيعية، لمحاولات إعادة قولبتها جذرياً.

 

ويلفت الانتباه في المقابل، أن هذه الظاهرة الدينية المسلحة، حينما تضرب في المجتمعات الغربية، تختار أهدافاً بعيدة عن قلب الدول ومؤسساتها المباشرة، لكنها تركز على أهداف في قلب المجتمعات، في جوهرها المدني، ويخلخل ضربها الثقة بمنظومة القيم والحقوق المدنية المكتسبة، التي هي في شقها المدني تتعارض مع منظومة «القيم» وطبيعة «الحقوق» في مجتمعات دولة الظاهرة الدينية المسلحة.

 

وهذا، بالطبع، باب سهل قد يقود الكثيرين إلى بناء «نظرية مؤامرة» يربط الظاهرة الدينية المسلحة بتضخم «مجتمعات» أجهزة الأمن السرية في دول عالم اليوم، وسيطرتها على السياسة والأجهزة والمؤسسات الحكومية، وحاجتها المستمرة للتأكيد على إبراز الأهمية الاستثنائية للاعتبارات الأمنية في الحفاظ على الاستقرار، وأولويتها على القيم الناظمة للحريات والحقوق المدنية.

 

وفي كل الأحوال، لن يكون هذا الربط جديداً. لكنه من حيث لا ننتبه يشير إلى توافق جوهري بين الظاهرة الدينبة المسلحة و«مجتمعات» أجهزة الأمن السرية، في الضيق من الحريات والحقوق المدنية ومؤسساتهما، والتشريعات التي تكفلهما. ناهيك عن أنه ينبهنا إلى أن الفترات التي تسبق الحروب أو التحولات، لا سيما الكبرى، تشهد دائماً تغولاً على الحريات والحقوق المدنية، وصعوداً لدور و«مجتمعات» أجهزة الأمن السرية، إلى جانب تفشي أيديولوجيات متوحشة.

 

وهنا، في الوقت الذي يمكننا ان نلاحظ فيه أن النازية الهتلرية، التي نادت بتفوق الجنس الآري، لم تهتم حقيقة بهذا «الجنس»، ومزقته ودمرت كل مكتسباته بينما كانت تحاول تحصين فكرتها حول تفوقه. وهو ما يقودنا إلى التطابق مع هذا الواقع، الذي تعيد إنتاجه الظاهرة الدينية المسلحة المتوحشة، التي تستبيح وتنتهك المسلمين (قبل غيرهم في كثير من الأحيان) في محاولتها فرض فكرتها الخاصة عنهم وعن الإسلام نفسه.

 

ويبدو من اللافت كذلك أن في الوقت الذي تتحسب فيه المجتمعات المتطورة من تنامي دور ونفوذ «مجتمعات» أجهزة الأمن السرية، وإفلاتها من الرقابة الفاعلة، تعيش المجتمعات المتخلفة تحت وطأة استشراء الظاهرة الدينية المسلحة. ويمكننا هنا أن نربط مجازاً مفاهيم «التطور» و«التخلف» بالفارق بين فشل التفسير الديني للنصوص المقدسة، وفعالية التفسير الأدبي.

 

هنا، بالضبط، يتم تحويل الدين إلى سلاح دمار شامل فتاك!

 

ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.

           

أضف تعليقك