سرقة واختلاس وتزوير في الخربة السمراء
كشفت مصادر الأمن العام النقاب عن ملابسات قضية سرقة واختلاس وتزوير قُدّرت بملايين الدنانير الأردنية، وقعت في شركة الخربة السمراء لتوليد الكهرباء، من خلال اشتراك (18) موظفاً من الشركة نفسها، وسائقي صهاريج نفط يعملون لدى شركة نقل خاصة، حيث تمّ إلقاء القبض عليهم جميعاً.
عندما قرأت هذا الخبر على الصفحة الأولى في صحفنا اليومية، أصابني نوبة من الذهول الممزوجة بمشاعر مختلطة، إزاء من يتحمّل المسؤولية عن انتشار هذا الوباء، وتكرار هذه الجريمة البشعة في أكثر من شركة وفي أكثر من موقع، رغم كثرة الحديث عن الفساد في هذه الأيّام، ورغم وجود هيئة مكافحة الفساد، ورغم الجهود الحكومية، والخطابات التعبوية ضدّ الفساد في كلّ مناسبة، وفي كلّ لقاء مع المسؤولين.
مصدر الذهول جاء من خلال عدّة عوامل كلّها تستحق التوقف وإنعام النظر، وضرورة إعادة البحث والمراجعة في مدى جديّة عمليّة محاربة الفساد وفاعليتها وقدرتها على تحقيق الحدّ الأدنى من الثقة لدى المواطن الغلبان! وهل نحن سائرون في الطريق الصحيح الذي سوف يؤدي إلى قطع دابر الفساد؟.
ما ينبغي التوقف عنده مليّاً، أنّ هناك فئة قليلة مشغولة في عملية إخراج الحكومة الجديدة، ومعالم شخصية الرئيس الجديد، وما يجري في أروقة مجلس النواب من مشاورات وتكتلات وانسحابات وتحالفات وهدايا وسيارات وإحباطات، وهناك فئات مشغولة في ابتكار وسائل جديدة للسطو على المال العام، وممارسة الاختلاس والسرقة والتزوير، ولا تكترث مطلقاً بما يجري على المسرح السياسي من إخراج وتمثيل، بمعنى آخر إنّها تعيش في عالمٍ آخر لا صلة له بهذا العالم، ولذلك لا تشعر بالخوف ولا يساورها القلق وهي تواصل الاستمرار في فنّ السرقة والاحتيال..!!
إنّ عملية الكشف عن هذه الجريمة التي تجري في وقتٍ يتمّ فيه الإعلان ليلاً نهاراً عن محاربة الفساد، والقبض على فلان والحكم على علاّن، يدلّ دلالة واضحة على أنّ عمليّة كشف الفساد لا تسير بطريق مأمون، ولم تحقق الردع للنخبة الفاسدة، ولم توقف عجلة الفساد من التقدم والازدهار، وهذا يقتضي التنبيه إلى عدّة أمور:
أولها، أنّ كلّ ما تمّ من محاكمات وإجراءات في هذا المجال، لم تمسّ جوهر الفساد ولم تستطع هزّ أركان مؤسسة الفساد بقوّة وعمق، بل يمكن تفسيرها أنّها في أغلبها من باب الدغدغة أو من باب تصفية الحسابات، وتقديم بعض أكباش الفداء، الذين يتمّ التضحية بهم من أجل التستر على حقائق أكبر وأكثر خطورة.
ثانيها، كلّ ما تمّ من محاكمات، وعمليات متابعة، لم تستطع استرداد الأموال المنهوبة، والمبالغ الكبيرة المسروقة، وما تمّ استرداده لا يساوي إلاّ نزراً بسيطاً، ممّا تمّ اختلاسه، ممّا يمكن السارقين في الأغلب الأعمّ من الفوز بالغنيمة، والخاسر الوحيد هو الموازنة العامّة والمواطن المقهور المكلف بدفع الفواتير والضرائب، وتمويل سرقات الكبار وتغطية العجز وسدّ النقص.
ثالثها، في كلّ مرّة يتمّ الإعلان فيها عن اختلاس أو سرقة كبيرة، لم تكن العقوبة الصادرة بحجم السرقة، بل هي عبارة عن سجن بضع سنوات، تصل إلى ثلاث أو أقلّ، يقضيها في فيلاّ مرفهة، أو في منتجع بعيد عن الأعين، ثمّ يخرج بعدها ليمارس عمله ويستأنف نشاطه السابق في مجالات أخرى، لا تقلّ خطورة وأثراً عن المجالات السابقة، سواءً من حجم الربح أو مصادر التمويل الجديدة.
رابعها، إنّ إقرار المسؤولين بوجود الفساد وحجمه، وإعلان العزم على محاربته، لم يقترن ولو مرّة واحدة، بإعادة النظر في طريقة اختيار اصحاب المواقع، ولم تتمّ المراجعة في منهجية الإدارة والتعيين، ولا في سياسات المتابعة والمراقبة والمحاسبة ولا في تشريعات العقوبة الرادعة، ممّا يؤدي حتماً إلى تكرار الجريمة مرات ومرات، وسوف يبقى المال العام محلاً للسطو والنهب والاعتداء إن لم تتمّ المعالجة بشكلٍ منهجي، وبطريقة عملية حاسمة وعقوبات رادعة، وبجديّة يلمسها المواطن البسيط بسهولة ويسر.