سجناء سياسيون في عهد الرزاز
من المؤسف، ان يكون لدينا موقوفون ومعتقلون على خلفيات سياسية، برغم نفي الحكومة الحالية، وغيرها من حكومات سابقة، إذ يفترض ان تكون الدولة اكبر من رأي أو هتاف أو تعليق قيل في ساعة غضب، إلا إذا كنا قد وصلنا إلى هشاشة غير مسبوقة، لا نحتمل فيها أحدا، ولا نقبل شططا، ولا نريد رأيا مختلفا، حتى لو كان قائما على التجاوز؟.
لا يليق بدولة تقترب من المئوية الأولى، ان يكون فيها موقوفون أو معتقلون أو اشخاص قيد المحاكمة على خلفيات مثل مناهضة نظام الحكم، أو إطالة اللسان، أو أي قضايا أخرى، فيما الخلفية الفعلية هي سياسية، تتعلق بتعبيرات الرأي العام، والمفارقة ان رئيس الوزراء الحالي د عمر الرزاز الذي يقبل بكل هذا ولا يعترض، تم سجن والده سابقا- في زمن الاحكام العرفية – على خلفية رأي سياسي، وتم حرمانه في طفولته من والده الراحل منيف الرزاز، والأولى ان يتدخل الرئيس من أجل طي هذا الملف -في زمن الاحكام غير العرفية- حتى لا يحمله على تاريخه السياسي، ويندم ساعة تقاعده وراحته وكتابة مذكراته.
الكل داخل الأردن، وفي سفارات العالم التي تمول عواصمها، الاقتصاد الأردني، بما فيها سفارة الولايات المتحدة، وسفارات الاتحاد الأوروبي، ومنظمات حقوق الانسان، تكتب تقارير سيئة لا تليق بالأردن، بشأن ملف حقوق الانسان، من التعذيب إلى التوقيف.
لا بد من طي كل هذه الملفات، وقد سبق قبل سنوات، أن أمر الملك، دون اعلان، بطي كل ملفات إطالة اللسان، ونحن اليوم، أحوج ما نكون إلى طي هذه الملفات، بشتى أنواعها، ونحن هنا لا نتبنى الآراء التي يتحدث بها بعض هؤلاء، ولا منطوقهم الذي يحمل في حالات تجاوزات غير مقبولة، لكننا نتحدث عن التقاليد في الأردن، التي تجعل التفاهم هو الأساس مع أصحاب الآراء غير المقبولة، وهناك إرث كبير من التفاهمات التي أدت إلى حل إشكالات كثيرة، بهدوء، دون احالات للمحاكم، أو الزج بهؤلاء في السجون.
الامر الأهم ان الظرف الداخلي والإقليمي، يوجب ترتيبا للداخل الأردني بطريقة مختلفة، فنحن امام اخطار كبرى، تجعل كل واحد بحاجة لغيره، حتى لو اختلف معه سياسيا، مثلما ان الدولة بحاجة لمواطنيها، بشتى الوانهم، واذا كانت بعض الملفات أو بعض القضايا، تحمل تجاوزا كبيرا، أو جنوحا في التعبيرات السياسية، أو تطاولا من حيث المفردات، فإن هناك بدائل غير التوقيف أو السجن أو المحاكمة، ويكفينا ان نشير هنا، إلى ان التوقيف على خلفيات سياسية، وان كان تحت عناوين مختلفة، لم يؤد إلى تراجع عدد الذين يخرقون القواعد، بل زاد العدد.
على الدولة ان تتنبه إلى وجود احتقان اقتصادي، وسياسي، وحالة تراجع اجتماعي، وهي ظروف صعبة جدا، تؤدي إلى نشوء ظواهر غير مقبولة، لكننا للأسف نعالج مظاهر المشكلة، ولا نعالج جذرها، بمعنى إسكات الشخص الذي يتجاوز الخطوط الحمراء، واخافته، أو محاكمته بعد توقيفه، بدلا من حل المشكلة الأصلية.
اعتصام مؤسسات المجتمع المدني، وحديث النواب المتنورين حول هذه القضية مثل خالد رمضان، وغيرهم، أمر يجب أن يؤدي إلى تغيرات في هذا الملف، إذ إن كل هؤلاء لم يرفعوا سلاحا ضد الدولة، ولم يهددوا بعمليات إرهابية، ومن الأفضل أن يكون هناك توجيه بأمرين أولهما إعادة صياغة القوانين بحيث لا تكون قابلة لتوقيف أي شخص، تحت عناوين بديلة عن محاكمة الرأي السياسي، وثانيهما، إغلاق كل هذه الملفات وإطلاق سراح الموقوفين، ومنع تكرار هذا المشهد، في دولة ذات سمعة حسنة أمام العالم الغربي، بسبب علاقات قيادتها، ومكانتها في العالم، فلا يليق بالرسميين من جهة ثانية، أن يتسببوا بانطباعات بائسة، ولا أن يلاحقوا أردنيا سدت كل الآفاق في وجهه، ولم يبق أمامه إلا الغضب، الذي لم يجد من هو قادر على معالجته واستيعابه.
في الأردن يسامح الناس بالدم، وقضايا الدم، بكل رقي وعفو، لكن هذا المجتمع يراد جره إلى مساحة جديدة شعارها، إياك أن تخطئ، وإذا أخطأت فإن مصيرك النار.