رُهاب الإفصاح عن المعلومات

رُهاب الإفصاح عن المعلومات

النتيجة التي يؤول إليها تقرير حالة الحريات الإعلامية في الأردن مثيرة للقلق، فحرية الإعلام لدينا في تراجع مطرد، بحسب التقرير الذي أطلقه أمس مركز حرية وحماية الصحفيين.

التقرير يشير إلى تدخلات في الإعلام ويشير إلى عدة قرائن، وأنا شخصيا لديّ منها الكثير، وهي تدخلات ناعمة واحتوائية، لكنها تترك على المدى البعيد آثارا كارثية على حرية الإعلام، فضلا عن أنها تقوّض أركان العمل الإعلامي الذي لا يستطيع أن يتقدم من دون فضاءات رحبة، ومن دون مزاولة دوره كسلطة رقابة على أداء المؤسسات الحكومية والعاملة في النطاق العمومي.

أكتب هذه المقالة من الدار البيضاء في المغرب، حيث أشارك بورقة عمل في ندوة عن "حق الحصول على المعلومات"، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف اليوم.

وكنت عرضت، على المشاركين في الندوة، التجربة الأردنية في إقرار قانون ضمان حق الحصول على المعلومات الذي بدئ العمل به في 17-6-2007. وعلى الرغم من أنني كنت مزهوا بأننا الدولة العربية التي أقرت هذا القانون إلا أنني شعرت بالتناقض الفظيع حينما تأملت شهادات الزميلات والزملاء في "الغد" الذين شرحوا ظروف معاناتهم مع المسؤولين المصابين برهاب الإفصاح عن المعلومات، وهو رهاب له صلة بالثقافة الديمقراطية التي تكاد تكون بعيدة عن غالبية المسؤولين، فهؤلاء يمعنون في الصمت، ظنا منهم أنهم يحمون أنفسهم، ويبقون على مواقعهم ومكتسباتهم، وهم في ظني مخطئون.

تحدثت في الندوة المغاربية التي حضرها صحافيون من سائر الدول العربية عن غباء الحكومات التي تعتقد أن حجب المعلومات عن الصحافة والناس يضمن لها السلامة، مع أن خيار تمكين وسائل الإعلام بالمعلومات والحقائق والتفاصيل أضمن على المدى البعيد، ويعزز ثقة الناس بالحكومات، بل ويحميها وينبري للدفاع عنها إن اقتضت الضرورة.

نحن اخترنا أن نصدر قانونا لا بأس به يضمن حق الحصول على المعلومات، لكننا سيجناه بكم كامل من الموانع، كما في المادة 13 من القانون، حتى بدا وكأن القانون لم يوضع لتوفير المعلومات وتسييلها، وإنما من أجل منعها وحجبها!

علينا أن نعترف أننا فشلنا في إنتاج مسؤولين حكوميين يتمتعون بالقدر المقنع من الشفافية والإفصاح، كما فشلنا في التعامل مع وسائل الإعلام باعتبارها منابر لتعزيز القيم الديمقراطية، وإشاعة التعددية، وترويج ثقافة التنوير والحوار. ولنعترف أيضا أننا ما نزال نتعامل مع الإعلام بمنطق الفزعة والتعبئة، لا بمنطق بناء مشتركات مجتمعية تقوي خطاب الدولة.

المعلومات تخيف الذين يعملون في الظلام، تلك الطبقة من السياسيين الرسميين الذين احترفوا ثقافة (الأوف ذي ريكورد) على الرغم من أنهم لا يأتون بجديد حتى يحرصوا على عدم إشهار معلومة ما، ولطالما اكتشفنا أن هؤلاء وشوشوا في آذاننا معلومات على اعتبار أنها سرية للغاية، لنصدمهم بأنها منشورة في الصحف، وأن الكل يعلم بها، وأن (الأوف) أضحى (أون) وهم لا يعلمون!

الإعلام، قديمه وجديده، لم يعد يعبأ بسياسات حجب المعلومات، أو إقصاء المختلفين، أو ترويض الحقائق، وتدجين البشر، وشراء الذمم، واللعب على الحبال. الإعلام قادر على أن يحصل على ما يمكنه من أداء دوره التنويري حتى لو استمرت سياسة الحجب. ألم يسمع المرعوبون من الإفصاح لوسائل الإعلام أن هناك صحافة التحقيقات الاستقصائية التي صارت تعتمد طرائق وأساليب للكشف عن المستور حتى لو كان متمترسا وراء قلعة الصمت السميك؟

ألم يسمع هؤلاء بصحافة المواطن، وبوسائل الاتصال الحديثة التي تهزأ بثقافة (الأوف ذي ريكورد). هل يعرفون كيف استطاع باراك أوباما، بفضل هذه التقنيات، الوصول إلى سائر الأميركيين ونيل ثقتهم ومحاورتهم وإقناعهم بخطابه ورؤيته التي اعتمدت شعار"التغيير".

هل قلت "التغيير"؟!!

 

أضف تعليقك