رعاية رسمية للتطرف

رعاية رسمية للتطرف
الرابط المختصر

يغالط وزير الأوقاف د. هايل الداود نفسه حين يعلن مواجهة التطرف، منذ أيامٍ قليلة، إذ تندرج دعوته ضمن حدود الدعاية السياسية صوب "توحيد الخطاب الديني في السعودية ومصر والأردن"، فما يجمع الدول الثلاث في السياسة والأمن ليس بمقدوره أن يطوّر، في كلٍ منها، المؤسسة الدينية الرسمية التي توقف الزمن لديها قبل ألف عام.

لا تنطلق شعارات "تجديد الفكر الديني" إلاّ حين تحتاج الأنظمة العربية تجنيد أدواتها البالية  للتعامل مع وقائع كبرى مثل محاربة "داعش"، والرد على مجزرة "شارلي إبدو" وأحداث 11 سبتمبر، وعدا ذلك نشهد ركوناً وطمأنينة حيال التعصب في المجتمع على اختلاف أشكاله، بل نجد توظيفات سلطوية متعددة له.

ما من جهة تنازع الإسلام السياسي على المسجد غير السلطة نفسها، التي تستفيد من تناقض حركاته فتقرّب واحدة وتُبعد أخرى، وتعيد الكرة بالعكس، حيث ينتمي وزير الأوقاف الحالي إلى حزب الوسط الإسلامي –التنظيم الذي تلقى الدعم الحكومي عقب مقاطعة الإخوان المسلمين للانتخابات البرلمانية-، ويُنظر إلى التقارب الرسمي مع الأحباش والسلفية في السياق نفسه.

يكتشف المتابع لخطباء الجمعة استفحال الاتجاه السلفي وطغيانه على الأغلبية الساحقة منهم، بغض النظر عن التصريحات المتكررة بشأن منع أئمة يؤيدون أفكار داعش من الخطابة، ويتطابق الأمر مع مؤسستي القضاء الشرعي والإفتاء، وبمراجعة علمية يتجلى حجم تأثر هؤلاء جميعاً بأفكار أكبر منظري السلفية ناصر الدين الألباني، ولم يعد الأمر سراً أن مكتبات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تملؤ رفوفها كتب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهما من رموز التشدد الديني من دون الخوض بالآثار المترتبة على ذلك رغم معرفة العارفين بها.

تتشابه الحال في مصر التي يضج إعلامها، هذه الأيام، بتوصيف جمود الأزهر وتكفيره أصحاب أطروحات النقد الموجهة إليه بدءاً من علي عبد الرازق وليس انتهاءً بنصر حامد أبو زيد، وتصل حدود الانتقاد لدى كتّاب، وحتى أزهريين، بالقول إن "الاختراق المالي والفكري الوهابي للأزهر يحول دون أي إمكانيةٍ لإصلاحه".

"الاختراق الوهابي" لم يقتصر على الأردن ومصر ودول إسلامية، فمنذ الربع الأخير من القرن الماضي نلحظ دوره في الغرب الذي خضع كذلك لإملاءات السياسة، إذ تأسست مدارس ومراكز إسلامية تتبنى الوهابية وانتشر دعاتها في معظم مدن أوروبا والولايات المتحدة، مستثمرةً ظروف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تفتك بالعالم كله.

ولتغطية ما حصل طوال العقود الماضية، تجري الاستعانة بحملة العلاقات العامة الذي يبدو فيها خروج مشايخ السلطة للحديث عن "صورة الإسلام المشرق" في وسائل الإعلام قضية هامشية مقابل تدشين "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات" عام 2011، في العاصمة النمساوية، فيينا، وتنظيمه مؤتمرات بكلفة ملايين الدولارات من أجل التقاط صور جماعية لرجال دين يستطيعون الحديث ساعات عن الانفتاح فيما بينهم، لكنهم لا يجرؤون على إدانة حكم صادر ضد صحفي بالجلد أو منع قيادة المرأة للسيارة في السعودية.

نحن نواجه مؤسسة دينية رسمية، في جميع الأقطار العربية، ترعى التشدد وتنادي بمحاربته، في آن، بناءً على حسابات سياسية وأمنية، ووفق ذلك نقرأ الظهور المتزامن لوزيري الأوقاف والخارجية في حكومتنا الأردنية حيث كشف الأخير عن "مبادرة للحوار بين الثقافات" قامت كل من السعودية ومصر والأردن بدعمها، وتهدف إلى نشر وجهة نظر الإسلام الحقيقية، ويُتوقع إطلاقها قريباً من عمّان.

مرة أخرى، يجدر تنبيه القائمين على المبادرة بأن هذه الأساليب لا تجدي نفعاً، وأن مسؤوليتهم عن إشاعة التعصب في المجتمع، لعقود خلت، لا تقل عن مسؤولية أي طرف آخر، وأن الحلول الأمنية والحملات الترويجية لن تجدي نفعاً، ما لم تتغير أدوات السلطة التقليدية التي تؤمن بالعنف وتسوّق خطابه، وفي مقدمتها المؤسستين التعليمية والدينية، والسعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ووقف سياسات التهميش والإقصاء.

في اللحظة التي أنهيت فيها كتابة هذا المقال جاءت رسالة خلوية عبر إحدى شركات الاتصالات تطلب مني إرسال أي رد حتى تصلني رسالة لاحقة توّضح لي "من هم أعداء الإسلام ومحمد" لقاء مبلغ من المال يذكّرني بما أدفعه من ضرائب من أجل أن يتلقى أبنائي تعليماً جيداً، وأن لا تأسر عقلهم أي جهة كانت باسم الدين وادعاء الدفاع عنه!

 

  • محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.
أضف تعليقك