رسالة نيابية دون مستوى المرحلة

رسالة نيابية دون مستوى المرحلة

الرسالة السياسية التي بعثها النواب أول من امس في جلسة ماراثونية استمرت 11 ساعة، اعتلى منبر الخطابة فيها اكثر من 80 نائبا، تلتها مذكرة نيابية من 64 نائبا ضد رفع الأسعار، واستكملت امس بتوقيع 92 نائبا، ليست سوى رسالة إعلامية هوائية لا تسمن ولا تغني من جوع.

الرسالة أطلقت في الهواء، ولم توجه لأحد، لأنها لو وجهت لرئيس الوزراء عبدالله النسور، لعرفَ جيدا أن النواب سوف يستغلون القرار، ويحطبون في كيسه أمام ناخبيهم، والرجل يمتلك عقلا ليس ساذجا، ويعرف جيدا مخاطبة الشارع والنواب معا، فلماذا إذن كان القرار؟.

لنتحدث بكلام موجع اكثر:

يعرف النواب جيدا أن شتيمة الحكومة ورئيسها أصبحت بضاعة موجودة في الشارع، ولا يمكن للنواب مهما امتلكوا من الشجاعة والتهور ، أن يصلوا في شتائمهم إلى مستوى ما يقع في الوقفات الاحتجاجية أو المسيرات، فإذن، الشتائم و(ارحل ارحل ارحل) لم تعد بطولة، ولم تعد تنفع احد.

الشعب لا يحتاج من النواب إلى خطاب تحريضي ينتقد رفع الأسعار، ويعرف أن في ذلك تكسبا شعبيا لا ينفع أحدا، قد يكون هذا الخطاب صالحا قبل عامين او اكثر، أما الآن فإن الخطاب البنيوي الذي يطرح حلولا واقعية يستطيع مجلس النواب مجتمعا، عبر كتل متجانسة ومتكاملة في ما بينها أن يقدمها، أما أن يترافع 150 نائبا في خطابات هوائية، تتسم بالصراخ اكثر مما تتسم بالإنتاجية، وان يتم الضرب على الطاولات، والتشويش على الجلسات، ومقاطعة الرئيس وتهديده، فهذا كله مضيعة للوقت ولا تقدم فلسا للخزينة المرهقة.

ليجتهد النواب قليلا، عبر الكتل البرلمانية، لتقديم حلول واقعية، مسقوفة بزمن معين، تستطيع أن تمنح الخزينة مئات الملايين من الدنانير، على النحو التالي مثلا:

المطالبة فورا بإعادة فتح ملف التخاصية وتصويب أوضاع الشركات التي نهبت، ولا يزال الحديث حولها معلقا، ومحاسبة من اقترف هذه الأفعال بحق البلاد.

ملاحقة ملفات فساد قد تعيد عشرات الملايين الى الخزينة، عناوينها معروفة، والمتهمون فيها معروفون، حتى لو تمت تغطيتهم بالمناصب العليا.

حلول اخرى اكثر واقعية لقضية النفط واستيراده، بحيث لا يبقى الخيار الرسمي وحيدا، مع وجود عشرات القراءات الأخرى أن الأرقام الرسمية والنسب ليست صحيحة.

هل المشكلة في قضية المحروقات الآن في آلية الدعم أم في آلية التسعير؟ كل هذا يفتح على النواب مهمات اخرى، ليس للخطاب الشعبي دور فيه.

ليدقق النواب اكثر أن قضية رفع اسعار المحروقات قد أكل الشعب "خازوقها "منذ الرفع الأول، أما القرارات الأخيرة فهي استكمال لحلقات المسلسل، ويبقى تحت العين رفع أسعار الكهرباء والمياه، فهما بيضة القبان في المرحلة المقبلة، وقد تتراجع الحكومة عن نسبة الرفع قليلا للمحروقات، لكنها لن تتراجع أبدا عن رفع الكهرباء والمياه.

اخلص إلى التالي، إن ما حدث في مجلس النواب في اليومين الماضيين ليس كله بريئا، والرسالة التي صاغها خبثاء في السياسة قد تكون موجهة إلى الجهات الدولية تحديدا، من اجل إعادة التفاهمات من جديد مع المؤسسات المقرضة للأردن، بعد أن وصلنا إلى حد لا أحد يوافق على إقراضنا، لا خارجيا ولا محليا، بعد أن توسعت الدولة أيضا في الاقتراض من البنوك المحلية.

العرب اليوم

أضف تعليقك