"ذيب" وضرورة حماية الفن

"ذيب" وضرورة حماية الفن
الرابط المختصر

 

 

أصبح الآن، معروفاً، أن القائمين على فيلم "ذيب" الحاصل على جائزة "بافتا" البريطانيةـ والمرشح (غير الفائز) بجائزة أكاديمية الأفلام الأميركية (الأوسكار) كانوا قد واجهوا الرفض من الجهات الممولة للأفلام في الأردن مثل الهيئة الملكية للأفلام، ووزارة الثقافة، ووزارة السياحة. طبعاً كل هذه المؤسسات، كما غالبية الشعب الأردني لم يشاهدوا الفيلم، لكنهم تحمسوا لترشيحه إلى الأوسكار بعد أن حقق الاختراق العالمي.

 

رغم عدم دعمه أردنياً فقد نجح المنتجون بالحصول على مساعدات مالية وفنية من صندوق دعم الأفلام القطري، الذي أصدر بياناً صحفياً يعلن بفخر أن فيلمين من الأفلام التي دعمها وصلا إلى نهائيات الأوسكار، إذ ترشح فيلم فرنسي تم تصويره في شمال تركيا باسم "مستانغ" إلى نهائيات قسم الأفلام الأجنبية، بالإضافة إلى "ذيب".

 

طبعاً هذه ليست أول مرة يتم رفض مشروع فني، وفيما بعد ينجح نجاحاً باهراً.  فهل يمكن أن نحلل الأسباب التي أدت إلى تجاهل هذا العمل الفني، وكيف يمكن عدم تكرار مثل هذه المشكلة. والسؤال يطرح نفسه ما هو سبب الرفض؟  قد نصل إلى إجابة سريعة في حال شاهدنا فيلم "ذيب" الذي أعلن القائمون عليه أنه سيتم إعادة توزيعه على دور السينما العربية.

 

سيُصدم المشاهد لفيلم "ذيب"، الذي تدور أحداثه في الصحراء الجنوبية للأردن، ويعكس حياة الصحراء القاسية. وربما لا تسعد صعوبة الحياة هذه العديد من الممولين للأفلام الذين يعتقدون أن دورهم هو إظهار الجانب الجميل في الأردن، والابتعاد عما يسمى شعبياً "نشر الغسيل للخارج". قوة "ذيب" وسبب نجاحه العالمي هو بالأساس صدقيته، فالمشاهد العالمي أصبح ذكياً بما فيه الكفاية لكي يفصل ما بين الفيلم الدعائي (البروباغاندا) والفيلم الذي يعكس صدقية القصة التي يرويها.

 

المصداقية غير مقتصرة على الأفلام بل تنطبق على كافة الفنون والآداب وحتى الإعلام والسياسة.  فالمجتمع المحلي والدولي سئما محاولات السياسيين وما يسمى بـ"المسحجين" الذين يرفضون أي أمر سلبي ومزعج مصرين على أن أي أمر غير جميل وجيد يعتبر إساءة للدولة، وقد تكون هذه أكبر المشاكل التي نواجهها.

 

على الجهات المحلية الممولة والداعمة التي تقدم النياشين والأوسمة أن توسّع مفهومها للوطن والمواطن، فمن المحزن أن يقتصر حب الوطن فقط على الجهة التي تقدم البروباغاندا وتجمّل الصورة في حين قد يكون الصدق في نقّل الحياة الحقيقية أكثر صدقاً، وبالتالي أكثر حباً للوطن من الذي يقدم الدعم فقط لصنف معين من المواطنين.

 

يقول النبي سليمان الحكيم في سفر الأمثال: "أَمينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ، وغَاشَّةٌ هيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ". المطلوب للخروج من الدائرة المفرغة التي أدت إلى ما أدت إليه بالابتعاد عن دعم فكرة فيلم صادق مثل "ذيب" أن نفصل السياسة عن الفن، وأن يتم اعتماد معايير مهنية لا سياسية (بمفهومها الضيق) كي نستطيع أن ننافس الآخرين في العالم الواسع الذي توقف عن تقبل الدعاية الرخيصة بدلاً من الصدق في نقل الأحداث وصنع الفن.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

أضف تعليقك