ديمقراطية المتنفذين

ديمقراطية المتنفذين
الرابط المختصر

الإشكاليات المتنوعة التي أحاطت وما زالت تحيط الانتخابات النيابية الأخيرة، وإن تعددت أسبابها، فهي تعكس إشكالية، محاولة صناعة "ديمقراطية على المقاس" وأضيق حتى من المقاس، في وهم بأن هذه المعادلة تخرجنا من المأزق السياسي الاقتصادي الاجتماعي التركيب.

بدءا من قانون الانتخاب وإلى الأجواء السياسية، التي سبقت عملية الاقتراع، هدفت أو على الأقل أدت، إلى تهميش الأحزاب الموجودة والدفع بتشكيلات لها مسميات حزبية، لكن تفتقد إلى الفكر أو الهيكلية أو الاثنتين معاً، بهدف تشتيت الأصوات ومنع ظهور كتل سياسية قوية في البرلمان، حتى من داخل "السيستم"، في مؤشر على عمق أزمة النظام السياسي الأردني ككل.

جزء من الإشكالية، هو حداثة نظام القوائم الوطنية التي أخضعت لحسابات عشائرية أو جهوية ضيقة، واستغلتها بعض الجهات المتنفذة، لعرقلة أي اتجاهات إصلاحية بما فيها الموالية، وكأن النظام الانتخابي، والاستنكاف الشعبي والمقاطعة، لم تكن بعوامل كافية لإنتاج مجلس نيابي، تسيطر عليه اتجاهات تقليدية، مع بعض الاستثناءات، ينصب جُل اهتمامها على حماية امتيازات وكسب مواقع، استطاع الحراك الشعبي، رغم تراجعه، هز مكانتها.

لا يعني هذا أنه ليس طبيعيا، أن تجتمع شخصيات وقوى غير منظمة، في قوائم وطنية، قد تكون في طريقها إلى تشكيل أحزاب، أو تجمعات لديها مصالح ورؤى مشتركة، فالأكثرية تتلمس الخطى، وبلا شك فقد جذبت التجربة ناخبين يبحثون عن جهة تمثلهم أو قريبة من أفكارهم، وهذه ظاهرة إيجابية مشروعة، أعاقتها، طبيعة بعض القوائم وكونها مغلقة، تظهر الفرد ولا تساهم بتنمية أحزاب وتيارات.

عدا أن ما ينفع مناطقياً من تحشيد للعشيرة والنفوذ المحلي، لا ينفع على مستوى ساحة الوطن الأوسع، ومن هنا جاءت بعض الخيبات، ناهيك أن عدد القوائم العالي، 66 قائمة وتفتيت الأصوات دلت أنه من غير المسموح ظهور شخصيات، بالأخص من داخل أوساط الموالاة، على رأس تكتل أو تجمع قوي، قد يكون له امتداد خارج قبة البرلمان.

العملية تم تجييرها، لتصفية حسابات وتنازع قوى الموالاة بشكل خاص، ذلك لما حدث من تشويه للحياة السياسية العامة، فجميع هذه القوى تريد أن تثبت بأنها الأجدر، والأصلح في مرحلة جديدة، يكون عنوانها الإصلاح ومضمونها استمرار الإقصاء والتهميش.

هناك لعبة سياسية تجرى أمام أعيننا، الجميع من يشارك فيها، يريد المكافأة أو الترضية، على أساس سجِلها في الموالاة، خارج وداخل أروقة الحكومات والمؤسسات الرسمية، و معظمها يلوم الآخر، على إيصالنا إلى هذا الدرك السياسي المتدهور.

سواء كانت خطوة السيد عبد الهادي المجالي، رئيس أهم أحزاب الموالاة، نهائية، أو مناورة مرحلية، فالرسالة واضحة، بأن هناك إحساسا بين قوى الموالاة التاريخية، بأنها لن تسكت عما تراه العبث بها سواء من قبيل قصقصة الأجنحة، أو الإفساح لرموز أخرى باستحواذ مكانها، أو من قبيل توسيع المشاركة بكعكة المتنفذين.

القلق من أن يكون هناك ملاحق لهذه اللعبة وما يتبعها من تداعيات سياسية علينا، تشغل الرأي العام عن جذور الأزمة السياسية، فيما تقوم الحكومة المقبلة، وسط قعقعة وجلبة التنافس بين أصحاب النفوذ، بتكملة إنهاء الدعم عن السلع الأساسية والطاقة، وفقاً لشروط فرضها صندوق النقد الدولي على جميع أنظمة ما قبل وما بعد الانتفاضات العربية.

التنافس غير العلني هو على أحقية رئاسة الحكومة المقبلة، وما يعنيه ذلك من استعداد وسباق على تنفيذ السياسات والإجراءات غير الشعبية، لأن من يريد أن يحظى بالمنصب، عن جدارة أو غير جدارة، عليه القبول بها، عن قناعة أو غير قناعة، لأن الانتخابات كما أريد لها، اعتقادا لوجهة النظر الرسمية السائدة، أعطت الضوء الأخضر، للمضي في النهج نفسه، أما حديث المعاناة فيغدو، ليس أكثر من أصوات لا صدى لها، أو هكذا أقنعوا أنفسهم، فليس من مكان لغيرهم !! .

العرب اليوم

أضف تعليقك