دمج المؤسسات ووقف سياسة "التفريخ"
مشروع دمج المؤسسات المستقلة خطوة طالب بها الكثير لوقف الهدر في المال العام وتجميد عمليات التفريخ لهيئات اقامتها سياسات وليدة افكار مجموعة من الاشخاص الذين تساقطوا على الجهاز الرسمي للدولة وباشروا بتجاوزات خطيرة نحو تفكيك الجسم الاداري في القطاع العام بخلق مؤسسات رديفة للوزارات.
المؤسسات الخاصة التي كان يبلغ عددها 32 في سنة 2002 بموازنة لا تتعدى 500 مليون كانت تحقق فائضا للخزينة بمقدار 126 مليون دينار في عام, اليوم بات المشهد مخيبا للامال, فبدلا من مواصلة الاصلاح والبناء على الانجازات السابقة تم تدمير ذلك بسياسات التفريخ, حيث بلغ عدد الهيئات المستقلة الان ما يقارب ال¯ 56 هيئة بموازنة تقديرية تتجاوز الملياري دينار, وتحول الفائض المالي الى عجز مقداره 300 مليون دينار, فاي اصلاح اداري تحقق في السنوات القليلة الماضية?.
مشروع الدمج بات على طاولة الحكومة التي ستبحث في القريب العاجل خطوات السير في تنفيذه, لا شك ان هناك من سيقاوم تلك الفكرة باعتبارها ضربا له, حيث تتمتع بعض تلك الهيئات والمؤسسات بمستوى نفقات خارج عن اعراف وقدرة العمل العام, وبعضهم تجاوز الوزير المسؤول عنه وبات يتحدث بانه سلطة مستقلة لا يجوز التدخل او الرقابة على ادائها الا من خلال رئيس الوزراء مباشرة, وهذا ما يفسر اليوم حالة العلاقة السيئة بين الكثير من الوزراء ومدراء تلك المؤسسات.
المؤسسات المستقلة في الاردن احدى مظاهر الانفاق غير الضروري الذي نما خلال السنوات القليلة الماضية من دون رقابة لدرجة ان البعض اعتبرها خارج الدولة في سلوكياتها الادارية والانفاقية.
هناك اكثر من 50 مؤسسة وهيئة مستقلة عاملة في المملكة تتجاوز موازناتها حاجز الملياري دينار وتشكل 25 بالمئة من انفاق الدولة.
إدارة بعض تلك المؤسسات تمارس سلوكيات غريبة في ادارتها على اعتبار انها مستقلة بمفهومها العام, لدرجة ان بعض التصريحات التي تخرج من هؤلاء المسؤولين تشعرنا ان تلك المؤسسات والهيئات خارج الاردن ومستقلة بكل ما في الكلمة من معنى.
نشاهد ادارة تلك المؤسسات تنفق على اداراتها بشكل غريب لا يدل على ان الوضع المالي لديها صعب ويتطلب حصافة وضبطا في الانفاق بحيث لا يتغول المسؤول على اموال المؤسسة ومواردها المحدودة في صرف لا يأتي بالنفع العام ولا يحقق سوى رفاهية ذلك المدير, ولننظر جليا الى مركبات الدفع الرباعي التي باتت جزءا مهما من تلك السلوكيات لعدد من المدراء واسرهم معا, ناهيك عن الممارسات الخاصة بالسفريات والتنقلات والضيافة وما الى ذلك من نفقات ليست لها علاقة بالانتاجية او الكفاءة. يبدو ان هؤلاء المسؤولين يعانون من مرض نفسي ونقص في شخصياتهم لدرجة انهم يربطون ما بين حصولهم على تلك الكماليات وبين انجازهم, فهم يعتقدون ان عدم توفر مخصصات رفاهية لهم سيؤثر سلبا على اعمالهم.
وقبل اتخاذ القرار النهائي من قبل الحكومة حول مشروع دمج المؤسسات والهيئات المستقلة لا بد ان تكون هناك معايير لهذا الدمج حتى تتحقق الاهداف والوصول بالتالي الى ما يبتغيه راسم السياسة الاقتصادية, فالدمج يتطلب اولا النظر بجدية في الهيكل الوظيفي للعاملين في تلك المؤسسات وتوحيدها وانهاء حالة الفوضى العارمة التي اصابت موظفي القطاع العام.
ومن المفترض على الجهات الرسمية ان تباشر في شرح كيفية معالجة وجود كم كبير من الموظفين في تلك المؤسسات وهل سيتم الاستغناء عنهم او ترحيلهم الى جهات ثانية أم سيتم انهاء خدماتهم لان غالبيتهم يعمل وفق عقود خاصة برواتب عالية.
الدمج الحقيقي للمؤسسات وهيئات الدولة هو الذي يوحد العملية الادارية لمؤسسات وهيئات ذات عمل مشابه في مؤسسة واحدة على ان يتم اجراء تعديل فوري للقوانين.
العرب اليوم