داعش الذي يمثّلنا جميعاً

داعش الذي يمثّلنا جميعاً
الرابط المختصر

 

ما زال كثير منا يدافع عن صورة الإسلام المثالية المرسومة في الخيال، ويسعى جاهداً لإدانة الحركات الجهادية بوصفها صورة مشوّهة عن الأفكار والمعتقدات والفتاوى التي تمثل الإسلام الحقيقي، في محاولة للتنصل مما تقوم به هذه الحركات على أرض الواقع، حيث القتل والدم والتوحش وكثير من الأعمال التي لا يتقبلها المسلمون بمرجعية الصورة المتخيلة عن الإسلام الماضي، وهي صورة وردية لا علاقة لها بالواقع الحقيقي لما كان عليه الإسلام والمسلمون من صراعات دموية وتنافس على السلطة واقتتال داخلي.

إن الناظر للأفكار والمعتقدات النظرية يجد أن ما قام به داعش وأمثاله لا يعدو كونه تطبيق فعلي لما نؤمن به جميعاً، وما تعلمناه في مناهجنا وما يقوله خطباؤنا يوم الجمعة، وما يصدح به أساتذة الشريعة في الجامعات، وما تقوله وزارة الأوقاف ودائرة قاضي القضاة ودائرة الإفتاء العام، وهم جميعاً لا يمكن لهم أن يقولوا، ولا يجرؤون على قول ما لا يقوله داعش.

فهل يستطيع كل هؤلاء أن يقولوا بعكس وجوب إقامة الخلافة الإسلامية ولو بالقوة؟ وأننا جميعاً آثمون بسبب غياب الخليفة والبيعة؟ وهل يستطيعون أن يجزموا بأن الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي تطبّق حكم الله؟ وأن من لا يحكم بما أنزل الله فهو كافر لا تجب طاعته؟ وهل يؤمنون بالطاعة للحاكم الذي لا يطبق حكم الله؟ وهل يستطيعون إبطال حكم الردة وحكم قتال الكافرين؟ وهل يجرؤون على القول بأن الجزية ليست فريضة واجبة وحكم إسلامي يجب تطبيقه على أهل الذمة من المسيحيين واليهود؟ وهل ينكرون وجوب نشر الدعوة الإسلامية في كل العالم وإعلان النفير لنصرة دين الله في كل مكان؟

وهل يسمحون بخروج المرأة للعمل وأن تسافر بغير محرم؟ بل هل يقبلون بلباس المرأة خارج نطاق الشكل والمواصفات التي فرضتها السلفية وأقرتها على انها لباس الإسلام؟ وهل ينكرون قتل المرتد ورجم الزاني وقطع يد السارق وجلد الزاني، وأن من لا يطبق هذه الأحكام فهو نظام كافر، خارج عن دائرة الإسلام؟ بل وأكثر من ذلك، هل يعتقدون بجواز الاختلاط في المدارس والجامعات التي يدرّسون بها؟ أم يعتبرون وجودهم في هذه الجامعات الفاسقة مجرد ظرف لا بد من تغييره، وابتلاء لا بد من تحمّله، ومنكراً لا بد من إزالته؟ وأننا جميعا ننتظر اللحظة المناسبة للعودة إلى حكم الله وكتابه لنفوز في الدنيا والآخرة؟.

إن المسلمين أو أغلبهم يجزمون أن داعش ومن على شاكلته لا يمثّل الإسلام الحقيقي، ولو حاولنا أن نجد الفرقة التي تمثّله لعجزنا عن ذلك واختلفنا أيما اختلاف، فهل السلفية تمثل الإسلام أم الشيعة أم الإخوان أم الصوفية أم التبليغ .... الخ؟، وفي النهاية كل واحد يدعي أنه يمثل الإسلام، وكل واحد يدعي أن غيره لا يمثل الإسلام. فمن يمثل الإسلام إذا؟ ولذلك فإن محاولة إحراج داعش أو مناقشتها بأنها لا تمثل الإسلام هي محاولات عقيمة، لا تقدم ولا تؤخر، ولا أحد يقتنع بذلك. حتى الذين يحاولون إقناعها سيجدون أنفسهم في حالة من الحرج والتناقض مع الذات، لأن حجة داعش قائمة على آيات وأحاديث وفتاوى علماء لا أحد يستطيع التشكيك بعلمهم وإخلاصهم وقدراتهم.

لا يمكن لنا إن كنا صادقين مع أنفسنا أن نشكك بما تطرحه داعش من تصورات لما يجب أن تكون عليه الدولة الإسلامية، وأن كل ما يقولونه لا يخرج عن ثقافتنا السائدة لدى عامة الناس، والناتجة عن التصورات التي حصلنا عليه من مناهجنا المدرسية ومؤسساتنا الدينية على اختلاف أنواعها وأشكالها، وما تؤمن به أحزابنا الدينية مهما اختلفت تطلعاتها ومشاربها، ويبدو أن الفرق بين ما نؤمن به والواقع فرق كبير لم نفكر به من قبل، وأن داعش استطاعت أن تعطينا نموذجاً تطبيقياً للإسلام الذي رسمنا له صورة في مخيلتنا ولم نره عيانا. فما وجه خلافنا مع داعش؟ أعتقد أن وجه الخلاف يكمن في اختلاف الظروف والواقع، وليس في الأفكار والنظرية، وأننا في يوم من الأيام عندما تتوفر لنا ظروف إقامة الخلافة فربما سيكون نموذج داعش هو الوحيد الذي يمثلنا حق تمثيل، ولن يكون بيننا وبينه كبير خلاف. ولذلك فإن الشباب يتجهون نحو داعش لأنه يعبر عما يؤمنون به، أما مؤسساتنا الدينية ومشايخنا وأحزابنا الأخرى فإنها تقول ما لا تفعل، وكبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.

 

يوسف ربابعة: كاتب وباحث ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة فيلادلفيا. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.