داخل النفق
من المؤكد أن سيدات أردنيات كثرا مررن بتجربة غير سارة كهذه، ومن المؤكد كذلك أن ردود أفعالهن لم تختلف كذلك نظرا لطبيعة الموقف الذي غالبا ما يفرض عليهن رد فعل محددا يقتصر على التسليم بالعجز.
تسرد الحكاية التالية موظفة من عمان تمتلك سيارة (نص عمر) لم تكمل دفع أقساطها بعد قائلة: أحسست بسخافة موقفي الذي لا أحسد عليه، علاوة على أن التوقيت كان حرجا للغاية، حيث كنت يومها في عجلة من أمري وقد تأخرت عن اجتماع مهم تعبت كثيرا في الإعداد له وحضرت نفسي جيدا من اجل تقديم ورقتي وإبهار مديريّ في الشركة علهم ينتبهون إلى مهارتي الفائقة في الإدارة وحسن التصرف، حين (حردت) سيارتي وأعلنت عصيانا ميكانيكا ظهيرة يوم قائظ في داخل النفق المؤدي إلى الدوار الثالث ما يعني للعارفين في الشأن المروري العماني المتأزم صيفا، أن هذه الواقعة المؤسفة جرت في نقطة شديدة الحرج تشهد كثافة مرورية طوال النهار، ما أربك حركة المرور وأثار غضب السائقين الذين انحشروا رغما عنهم في النفق محتجين على تنغيص يومهم الحار المثقل بالخيبة رغم الأعلام المنصوبة على سياراتهم التي لن تغير من واقع الهزائم الكروية الفادحة.
أحسست بالعجز الكامل بسبب جهلي المطبق، إذ لم يكن لدي ادنى فكرة عما اعترى السيارة من كرب وما الذي دفع بها كي "تتنح" في عرض الشارع على نحو مفاجئ ومن دون مقدمات مثل بغل عنيد، لمت نفسي بشدة على الكسل والإهمال وهو ما يميز معظم السيدات السائقات على ما أظن في هذا السياق حيث تقتصر العلاقة مع السيارة بالنسبة لنا على التحكم بالمقود وتعبئة السيارة بالبنزين من دون مغادرة مقاعدنا، حتى إنني صرت أتذكر وعودا قطعتها على نفسي ولم أف بها حول ضرورة تعلم بعض الإجراءات الأساسية المتعلقة بالسيارة مثل؛ خطوات إصلاح البنشر وهي مسألة ليست بالغة التعقيد كما فهمت، وقبل أن أشرع في اتصالات اطلب فيها النجدة وهو بالمناسبة ومن دون أدنى فخر الإجراء الوحيد الذي أتقنه في حالات كهذه، كان أكثر من شاب قد تطوع من تلقاء نفسه وقام بركن سيارته وتعاونوا معا على جر السيارة (الحردانة) خارج النفق ثم قاموا بإصلاح الخلل المتعلق بالكهرباء، ونصحوني بعرضها على اختصاصي فورا، ومع سعادتي بالتخلص من هذا المأزق الحرج بفضل أولئك الإخوة الذين لم يكتفوا بموقف المتفرج بل بادروا إلى إغاثتي وتخليصي من هذا المطب قبل حتى أن اطلب معونة احدهم. ما جعلني أحس واصدق أن الدنيا
"لسه بخير".
بالطبع فإن ما جرى مع تلك السائقة غير الماهرة عادي جدا ولن يثير دهشة أي منا، بل سوف نستهجن لو حدث عكسه وهو يحدث في شوارعنا بشكل تلقائي كتعبير عفوي عن منظومة تقاليد وسلوكيات اجتماعية مبنية ومستمدة من قيم الشهامة والأصالة المتجذرة في ثقافتنا كعنوان ينبغي علينا الرهان عليه مهما ضاقت بنا الحال.
الغد