خيارات وأخطار قرار تخفيض الدعم!

خيارات وأخطار قرار تخفيض الدعم!

يبدو من تصريحات رئيس الوزراء قبل يومين أن الحكومة الحالية سوف تتخذ خطوات جادة في سياق رفع الأسعار وتخفيض الدعم ولن تؤجل هذه القرارات للحكومة القادمة التي من المفترض أن تكون “برلمانية منتخبة” وتتحمل مسؤولية القرارات بطريقة أكثر مرونة.

إذا كانت الحكومة قررت المضي قدما في رفع الأسعار/تخفيض الدعم فمن المهم أن تكون كافة القرارات والاسباب والتحليلات الاقتصادية متاحة للرأي العام وأن يتم استشارة بضع جهات مختصة في تفاصيل القرار وتداعياته وأن لا تقوم لجنة مصغرة من الوزراء باتخاذ قرار ستكون له تداعيات سياسية كبيرة.

حسب احصائيات صندوق النقد الدولي بلفت نسبة الدعم والإعانات في العام 2011 حوالي 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي بزيادة كبيرة عن النسبة التي كانت في العام 2009 وهي 1.3% ويعود السبب في ذلك إلى زيادة المخصصات في دعم القمح والمشتقات النفطية خاصة بعد انقطاع واردات الغاز الطبيعي من مصر والحاجة إلى تعويضها بنفط يتم شراؤه من الأسواق العالمية لغرض توليد الطاقة. حسب المخطط التحليلي المستقبلي ستصل نسبة الدعم إلى 18% من الناتج المحلي الإجمالي بغضون العام 2014 في حال لم يتم اتخاذ إجراءات أخرى.

حسب إحصائيات البنك الدولي فإن توزيع الدعم في الأردن يتم على القطاعات التالية: المياه (33%)، الطاقة وخاصة إسطوانات الغاز (29%)، الكهرباء (26%) والغذاء (21%). هذا يعني أن الدعم هو للاستهلاك والخدمات والتي تفيد الأغنياء بطريقة أكبر حيث أن دعم المياه والكهرباء بالذات يفيد الأغنياء بنسبة 3.5 ضعف ما يقدمه من فائدة للطبقات الفقيرة، وإذا ما واصلنا الاستعانة بأرقام البنك الدولي فإن الفقراء يحصلون في النظام الحالي على 12% فقط من الدعم الحكومي.

رقميا يبدو خيار إعادة النظر في سياسات الدعم منطقيا ولكن المهم أن يتم إنشاء نظام فعال للأمن الاجتماعي يعوّض الطبقات الفقيرة عن تراجع الدعم المقدم لها لأنها هي الجهات الأكثر تضررا من اي انسحاب حكومي من دعم السلع والخدمات ولا ننسى أيضا ضرورة تخفيف هذه الصدمات عن المشاريع التجارية الصغيرة والتي لا تستغني عن استهلاك الكهرباء والغاز والمياه. تشير إحصائيات صندوق النقد الدولي إلى أن إزالة الدعم عن القطاعات المدعومة سيؤدي إلى رفع الاسعار بالنسب التالية: الخبز (92%)، اسطوانات الغاز (71%)، البنزين (19%)، السولار والديزل (18%)، المياه (44%) والكهرباء (60%) وهي كلها أرقام تدعو للذعر وتتطلب إجراءات طويلة الأمد ومخطط لها وليست عشوائية سريعة.

ما يجب أن يرتبط ايضا مع تقليص الدعم ورفع الأسعار هو سياسة واضحة تماما فيما يتعلق بطريقة وأدوات إنفاق المال الذي سيتم إضافته إلى الخزينة العامة إذ يجب أن تخصص هذه الأموال لمشاريع تنموية خاصة في المحافظات وأن لا تنضم مطلقا للحجم الهائل من النفقات الجارية في القطاع العام وإلا سيكون هنالك تشوه هائل في السياسة المالية والتنموية. هذه مسألة خطيرة جدا ويجب الانتباه لها. في حال قررت الحكومة الحالية أن ترفع الأسعار وتضيف مئات الملايين إلى الخزينة فمن الذي سيضمن أن هذه الأموال لن تستخدم من قبل الحكومة القادمة في تعيين مئات وآلاف الاشخاص من الدوائر الانتخابية للوزراء/النواب الذين سيشكلون الحكومة القادمة كجائزة ترضية لناخبيهم؟

في حال كان هنالك قرار استراتيجي بتخفيض الدعم أو رفع الأسعار المطلوب خطة واضحة على مدى 3 سنوات وربما أكثر وضمن مراحل من الرفع تتضمن إجراءات بديلة لايصال الدعم للمستحقين وتحديد أوجه إنفاق الأموال الإضافية وتحريم استخدامها في النفقات العامة الجارية وتحويلها لصناديق تنمية المحافظات أو الزكاة أو التنمية والتشغيل غيرها.

اسوأ خيار ممكن هو اتخاذ قرار رفع الأسعار/تخفيض الدعم “على غفلة” ودون تشاور وشفافية، وأفضل شيء ممكن هو وضع خطة لتخفيض الدعم بكل تفاصيلها ومراحلها مبنية على مشاورات واسعة وتركها للحكومة القادمة!

 الدستور

أضف تعليقك