خصوم النسور!
لا يجمع الرؤوس التي التقت في "جبري" (لتشكيل حكومة الظل)، سوى مشروع الإطاحة بحكومة د.عبدالله النسور.
فكثير منهم غاضبون لأسباب شخصية؛ من يرى أنّ الدولة انقلبت عليه في الانتخابات، وأنّ مهمته انتهت، وقليل منهم حجب الثقة لأسباب لها علاقة بالإصلاح، وعدم قناعته بما قام به النسور إلى الآن!
بالرغم من عدم وجود إطار سياسي موحّد للمعارضة الجديدة، إلاّ أنّ التيار المحافظ تحت القبة وخارجها، يحاول تأطير هذه الشخصيات المختلفة، مع قوى محافظة تقليدية، في سياق مشترك، عبر قولبة "هوية" الحكومة ضمن أربعة معطيات خطرة:أولاً، أنّها حكومة ليبرالية تمسك بالبرنامج الاقتصادي العابر للحكومات، وتتمسّك باقتصاد السوق، بدون مراعاة الجانب الاجتماعي أو مكافحة حقيقية للفساد.
ثانياً، أنّها حكومة تحمل أجندة المحاصصة داخلياً، وتمهّد الطريق للكونفدرالية إقليمياً، وأن تركيبة الحكومة تشي بذلك عبر ضمّ عدد من الوزراء المحسوبين على هذا التيار.
ثالثاً، أنّها حكومة لا تمانع بالتدخل العسكري في الشأن السوري، وتسمح به، وإن لم تكن هي المسؤولة عن ذلك مباشرةً؛ فهي التي تملك الولاية السياسية دستورياً، ويفترض أن يكون الهجوم موجّهاً ضدها، لإسقاطها وإسقاط أي دور أردني مباشر ضد "النظام السوري".
رابعاً، أنّ الرئيس يجسّد خيار "السفارة الأميركية" في عمان، وأنّه يمتلك علاقات قويّة معهم. من هنا، فإنّه يقوم الآن بتنفيذ هذه الأجندة الأميركية التي تتضارب مع الهوية الوطنية، ومصالح شريحة اجتماعية واسعة في المجتمع!
على هذا الأساس، تجري محاولات تطوير المشروع الجديد لـ"المعارضة المحافظة"، ليلمّ "الشامي على المغربي"، في ثلاثة ملفات:
أولاً، رفض المحاصصة من حيث المبدأ، ورفض فكرة "البينولوكس" الأردني-الفلسطيني، أو الدولة الشكلية مع الضفة الغربية.
ثانياً، رفض أي تدخل عسكري أردني، مباشر أو غير مباشر، في الشأن السوري. وتختلف الذرائع والحجج لأصحاب هذا الطرح، ما بين مؤيد (حتى النخاع) لنظام الأسد الدموي، وبين من يرى أنّ سقوطه يضرّ بالأمن الوطني الأردني، ويفتح الباب على تقسيم سورية، ومن يكتفي بالتأكيد على أهمية حياد الأردن في الأزمة السورية.
ثالثاً، رفض البرنامج الاقتصادي بصيغته الحالية، والمطالبة بإدخال تعديلات جوهرية عليه، وإعادة النظر بالتزاماتنا مع صندوق النقد الدولي، بما لا يضر بالطبقتين الوسطى والفقيرة.
ربما هذه العناوين مهمة ورئيسة، لا تختلف عليها نسبة كبيرة من المجتمع الأردني، نظرياً. لكن المشكلة تقع في جوهر هذه الدعوة في أمرين رئيسين:
أولاً، إسقاط هذه "التهم" على حكومة النسور، وقولبته فيها. إذ ثمّة خلاف كبير بشأن وضع الحكومة في هذا "الخندق"، وهو تصنيف يعكس أوهاماً أيديولوجية عند البعض، وخصومات شخصية عند الآخرين.
ثانياً، إنّ كثيراً من خصوم النسور يخدمونه أكثر مما يضرونه؛ فصورته في الشارع أفضل منهم كثيراً، وما يقدّمونه من خطاب مهما كانت محاولات تأطيره سياسياً يفتقد إلى المصداقية والتوافقية!
مع ذلك، يحظى النسور بتيار معارض متنامٍ، يشكّل معارضة لهذه الحكومة تحديداً (أو أي حكومة شبيهة، مثل حكومة عون الخصاونة)، لكنه في الوقت نفسه يضم "أصدقاء الدولة" ومؤسساتها، وهو بات اليوم أقرب إلى "معارضة المعارضة"!
قوة هذا التيار الجديد الصاعد في المشهد السياسي أنّه يتغذّى على مخاوف شريحة واسعة من المجتمع، وهي هواجس تعزّزها الإشارات الأخيرة لوجهة الإصلاح من ناحية، وقلق هذه الشريحة على مستقبلها، لاسيما في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمرّ بها، من ناحية أخرى!
على الجهة المقابلة، لم يستطع النسور تقديم أي رسائل قوية في مواجهة المشكلات والمعضلات الداخلية؛ فلم يكسب التيار الإصلاحي، بقدر ما جنى عداوة المحافظين، وهو يفتقد إلى أي مبادرة وطنية لمواجهة هذه الاتهامات الخطيرة!
الغد