خدمة العلم.. الآن وليس غدا
قضية العنف الجامعي أعطت سببا إضافيا للعودة إلى خدمة العلم التي لقيت تأييدا أول من أمس من رئيس الجامعة الأردنية، حيث لا يقل الوضع سوءا عن بقية الجامعات بالنسبة للعنف الطلابي. وقد اقترح الرئيس إلغاء منهاجي الثقافة العسكرية والوطنية، وإعادة خدمة العلم.
منذ ثلاثة أعوام، كان المشروع قد طرح على الطاولة، وألححت عليه في البرلمان الماضي، ووعدت حكومة معروف البخيت الثانية بدراسته، وخرجت بنتيجة أن الكلفة الأولية تصل إلى 60 مليون دينار. ثم لم نعد نسمع شيئا، وطُوي الملف؛ ولا نعرف هل بسبب تلك الكلفة التي لا نراها كبيرة، أم لأسباب أخرى. هذا مع الأخذ بالاعتبار أن المشروع يحوّل المجندين بعد شهرين أو ثلاثة أشهر إلى الخدمة المدنية التي ستغطي كلفة المجندين ورواتبهم.
طبعا، لن يوقف كل طالب دراسته ليقوم بخدمة العلم. فالطالب الذي يسير سيرا حسنا يحصل على تأجيل للخدمة، بينما تكون عقوبة من يمارس العنف الجامعي والشغب التحويل إلى خدمة العلم فورا، بدل عقوبة الفصل من الجامعة، والتي تمتد إلى أربعة فصول أحيانا، أو الفصل النهائي؛ ليرتمي الطالب عند أهله عاطلا ومؤهلا للانحراف أكثر من السابق. وكذلك، يُلغى التأجيل لمن يرسب فصلا أو فصلين دراسيين.
العنف الجامعي هو مبرر إضافي، وليس الوحيد أو الأصلي، لاستعادة خدمة العلم. ولا أحتاج إلى شرح الحيثيات التي تجعل منه علاجا ناجعا، بل لا حاجة لأن نشرح كم خسرنا بغياب خدمة العلم في التنشئة القويمة، وفي اللحمة الوطنية ومنع التشرذم الاجتماعي إلى الانتماءات الأولية الضيقة.
الكثير من المبررات التي تستدعي العودة إلى خدمة العلم تضاف إلى المشكلة الرئيسة والخطيرة، وهي البطالة المتفاقمة التي لا يوجد لها حل في المدى القريب؛ أكان ما يطلق عليه البطالة الهيكلية المرتبطة بعدم توفر وظائف للخريجين الذين يصبحون في وضع لا يقبلون به بأي عمل غير مكتبي، أو حتى بقية العاطلين الذين لا يجدون أي عمل، أو يستنكفون عن أعمال الجهد الجسدي في مجالات كالإنشاءات أو الزراعة وغيرها.
إن ما أراه في عملي كنائب خطير جدا، وبات فعلا لا يُحتمل؛ اذ يتكدس الشباب والفتيات في البيوت بلا عمل. وإنني أشكك بقوة في النسب المعلنة للبطالة في الأردن، وهي بحدو;13 %
وما أراه هو أن الفرص تتضاءل بصورة خطيرة، ويبقى الشاب والفتاة أعواما طويلة بلا عمل، وفي كل بيت تجد اثنين وثلاثة وأربعة وأكثر عاطلين عن العمل. وفي تقديري أن نسبة البطالة لا تقل عن ضعف الرقم السابق.
والمستقبل لا يبشر أبدا؛ فمعالجة العجز المالي على مدار ثلاث سنوات مقبلة على الأقل، تقضي بتقليص الوظائف إلى أقصى درجة في الحكومة، وكذلك خفض الإنفاق الرأسمالي الذي يحرك المشاريع ويمتص البطالة، وهو ما يؤثر أيضا على القطاع الخاص الذي يعيش انكماشا يعد فقط بفرص عمل قليلة، بينما يستمر جيش الخريجين بالتدفق؛ تتلقفه بيئة ثقافية واجتماعية سائرة أكثر فأكثر نحو التردي، بفعل الفقر والعوز، وعوامل أخرى كثيرة محصلتها أن العنف المجتمعي والتدهور القيمي والأخلاقي يتزايدان، ويتزايد عجز الدولة أمام هذا التحول المتواصل نحو الأسوأ.
أعتقد أن موضوع خدمة العلم الذي يقوم على الخدمة والتدريب العسكريين لفترة قصيرة، ثم التحول إلى أعمال الخدمة المدنية تحت الإدارة والانضباط العسكري، لم يعد أمرا قابلا للتأجيل. ويجب على الدولة أن تحسم أمرها نهائيا للأخذ به.
الغد