"خدمات" على الطريقة الأردنية!

"خدمات" على الطريقة الأردنية!
الرابط المختصر

 

نتعامل مع "خدمة العملاء"، غالباً، باستخفاف وعدم اكتراث نتيجة التربية الخاطئة التي ربطت مفهوم "الخدمة" بالدونية والانتقاص من الأنا، وعززت ثقافة العيب في التعاطي مع بعض الوظائف. الغريب أننا نتشدق في الوقت نفسه بموروثات اجتماعية وخصال مرتبطة بشكل أو بآخر بمفهوم الخدمة وتقديمها مثل الكرم والحفاوة في التعامل مع الضيف.

 

يترجم هذا التناقض الذي نعيشه يوميا إلى ممارسات تظهر في سلوك مقدم الخدمة ومتلقيها، وتنعكس في النهاية على جودة الخدمة ونوعيتها.

 

ممارسات كتلك التي يقوم بها سائق التاكسي الغاضب، الذي يقود برعونة ويكيل الشتائم للسائقين، وسائق آخر يدخن السجائر في وجه عجوز سبعيني ويبادره بسؤال بليد وسط نوبة سعال حادة: "متظايق حج من الدخان!".

 

وسلوك موظفة الاستقبال في عيادة الطبيب، التي تجري مكالمة هاتفية لتخبر صديقتها بما قرأه "عبود" في طالعها، وأن برجها يحمل آخبار سارة نهاية الأسبوع، والمرضى يستمعون مرغمين وسط حالة القلق، التي تشوبهم من نتيجة فحص ما، أو حتى قيمة "كشفية" الطبيب!

 

المقلق أنك تجد هذه النماذج، أيضاً، في قطاعات أخرى يفترض أنها أكثر تأهيلاً وتخصصاً، كالفنادق والمطاعم والمرافق السياحية. فمن موظف خدمة الغرف الذي تتحدث إليه باقتضاب وحياد، فيبادرك بكلاشيه أردني بامتياز: "طيب ليه معصب؟"، وموظف آخر يعتذر بقمة الدماثة عن سوء الخدمة قائلاً: "بتصدق أستاذ اليوم وصلنا ٧٥٠ نزيل"، وكأن أن هؤلاء النزلاء ضيوف ثقيلون باغتوا المكان، وأنّ الأمر لا يتعلق بعملية معقدة تأخذ بالاعتبار حساب سعة الغرف وقدرة الفندق التشغيلية.

 

هذه الممارسات أدمنها أفراد المجتمع، وباتت جزءاً من الثقافة الأردنية، وجلّ ما نفعله أن نقابلها بغضب أو ابتسامة من دون أن نعلم أنها تكلفنا الكثير.

 

نصر على اختزال مفهوم "خدمة العملاء" بالصورة النمطية السائدة لمن يشغل حيزاً في مركز تجاري ويمنعك الدخول من دون تسليم الأمانات، بينما يدل المفهوم على "العملية التي يتم من خلالها تلبية احتياجات العملاء وتوقعاتهم من خلال تقديم خدمة ذات جودة عالية ترضي العميل"، وقطاع الخدمات لا يقتصر على الخدمات التجارية فحسب بل يشمل الاتصالات والسياحة والصحة والتعليم، إضافة إلى القطاع المالي والمصرفي.

 

هذه الخدمة التي نستخف بها، وهذا القطاع الذي لا نوليه أهمية يشكل ٦٧٪ من ناتج المحلي الإجمالي، ويخلق ثلاثة أرباع الوظائف التي يولدها الاقتصاد الأردني. وبالمنطق النقدي ساهم في إحدى السنوات بما يقارب ٢١ مليار دولار. وقطاع الخدمات مرتبط بشكل أساسي بتحسين قطاعي الزراعة والصناعة، وأن الاهتمام الجدي في هذا القطاع سيساهم كثيراً في سد فجوة البطالة.

 

قطاع الخدمات يعتمد بشكل أساسي على الموارد البشرية، ولن يتقدّم إلا إذا طورنا مهارات الموارد البشرية الخدماتية من خلال التدريب والتعليم النوعي وليس الكمي، فإحدى كبرى المشاكل الرئيسية في سوق العمل الأردني هي الافتقار إلى المهارات المناسبة رغم ارتفاع معدلات التعليم.

 

المطلوب هو إيلاء السياسات التدريبية والتعليمية أولوية قصوى في أي مشروع وطني يحمل على عاتقه الإصلاح الاقتصادي، وهذا المشروع الكبير يحتاج بالضرورة أن يضع كل من تتقاطع مصالحهم في القطاعين العام والخاص خطة تنفيذية شاملة متعلقة بالتعليم والتأهيل والتدريب، لتترجم بسرعة على أرض الواقع ولا تحفظ بالأدراج خوفاً من أن يتحول الأردن لبلد الشهادات من دون مهارات.

 

تمارا خزوز: صحافية وحقوقية أردنية حاصلة على ماجستير صحافة وإعلام حديث، وماجستير قانون التجارة الدولية، وناشطة في مجال الحقوق والحريات العامة.

أضف تعليقك