خبير تجميل للإسلام السياسي

خبير تجميل للإسلام السياسي
الرابط المختصر

كاتب عمود يومي في إحدى الصحف الأردنية يعرّف نفسه بـ"خبير حركات الإسلام السياسي وقضايا الإصلاح في الأردن"، بينما تشكّل مقالاته وأطروحاته في الدراسات العليا مثالاً صارخاً لرفض الإصلاح عبر تأدية وظائف محددة تخدم تيارات دينية متشددة، وتبرر ارتباطاته بالسلطة.

 

فوجئ متابعون بمقال له نُشر منذ أيام يدعو فيه إلى تأجيل مسألة الإصلاح الديني في سياق ردّه على مطالبات تجديد المؤسستين التعليمية والدينية الرسمية، ويلتقي بذلك مع محللين وكتّاب آخرين أدانوا جريمة داعش بحق الشهيد الكساسبة، وبدأوا على الفور حملةً لتهدئة الرأي العام المراد له تأييد الحكومة فقط، والعمل على تعطيل أي دعوات للتغيير.

 

تذرّعَ الكاتب، الذي تُسوقه جهات بعينها بالـ"المعتدلٌ" و"التنويريٌ"، أن معركة الإصلاح الديني والتنوير هي "عملية متدرجة، يقودها فقهاء وعلماء مستنيرون، لأنّها ترتبط ببنية فقهية ثقافية شعورية موروثة"، وهو بذلك يكرس منطق الوصاية على التفكير ومنع الاقتراب مما يعتبره "مقدساً"، من خلال حصر الإصلاح برجال الدين واعتباره "جدلاً فقهياً" يحسمونه ثم يعيدون فرضه على الناس لألف سنة أخرى.

 

نظرة متفصحة لكتاباته السابقة تثبت أنه لم يسع يوماً إلى نقاش يتجاوز حدود ما فرضته الجماعات الإسلامية والسلطتين الأمنية والسياسية، فقد دأب خلال العقد الأخير على تثبيت قواعد معينة تقوم على: تجزيء الأفكار وتبسيطها حول هذه الجماعات، وربط الحديث عنها بالمستجدات في المنطقة ضمن أجندة وأفكار مسبقة تفضي إلى نتيجة مفادها أن مواقف حركات الإسلام السياسي هي ردة فعل طبيعية لما تعرضت إليه من تهميش مذهبي في العراق وسوريا، في تغطية متقصدة على عوامل ومقاربات أعمق تخص هذه المسألة.

 

وسيتشكك المتابع من هجوم الكاتب المتكرر ضد كل من يتبنى أطروحات مخالفة لرأيه، فهو يُبّخس من تأثير العامل الاقتصادي والاجتماعي على تمدد القاعدة والتيارات الدينية، ويغفل تماماً دور أو رعاية أطراف إقليمية لها، مع تجاهل تام لأي انتقاد يطال تفسيرات دينية، وفي مقدمتها الوهابية على وجه التحديد.

 

لدى العودة إلى الأطروحة التي نال عليها رسالة الماجستير في العلوم السياسية، وهي بعنوان "بين الحاكمية وسلطة الأمة: الفكر السياسي للشيخ محمد رشيد رضا"، سنجد فيها انحيازاً واضحاً لرشيد رضا بوصفه نموذجاً للإصلاح الديني والسياسي، متفقاً بذلك مع تنظيرات الإخوان المسلمين وبعض رموز السلفية حوله، رغم أن موضوع أطروحته لا يصلح أساساً إلاّ للجدل بين تيارات دينية مقيّدة بتعصبها لأفكارها، ولا تريد مغادرة جمودها الفكري.

 

لست بصدد تفنيد آراء رضا، لكن يمكن الإشارة إلى مسألتين إثنتين فحسب؛ الأولى تتصل بمواقفه الشكلية من الإصلاح حين العودة إلى آرائه حول تجديد التعليم والخطاب الديني (وليدفع أنصاره بفكرة واحدة له يمكننا الاستفادة منها اليوم!)، والثانية تتعلق بعدم نزاهة مواقفه السياسية، إن لم نصفها بالنفاق والكذب، إذ دافع عن مجازر الوهابيين بحق الأبرياء في الجزيرة العربية والعراق والأردن، وبرر لهم توقيع معاهدة مع الانجليز، رغم اتهامه خصومهم بالعمالة والخيانة بسبب علاقتهم ببريطانيا، وغيرها من المواقف المشبوهة.

 

اختيار محمد رشيد رضا ليس أمراً عابراً، فهو إصرار على إبقاء الإصلاح محكوماً بسقف ما يسمى "الإسلام المعتدل"، غير أن ادعاء الاعتدال لا يمنع هذا الكاتب وغيره من تقديم أحكام نهائية وتمرير استنتاجات قطعية من أجل إنهاء الاختلاف الصحي حول طبيعة أزمتنا الحضارية وتحدياتنا الحقيقية، وهو ما يقوم به منذ بدء تحليله ظاهرة داعش.

 

"تحليل" يمثل فقراً معرفياً واصطفافاً في سياق صراع المحاور في المنطقة العربية، خاصة مع الإصرار على حصر أسباب التطرف بأزمة السُنّة في العراق وسورية ولبنان، والتأكيد في أكثر من مقال وظهور إعلامي بأن عدداً من الملتحقين بـ"داعش" قدمِوا من حواضن إسلامية معتدلة متمثلة بالإخوان المسلمين، وهي رسالة مفهومة الدوافع والتوظيف.

 

الإصلاح والتنوير والتجديد تصبح مجرد مصطلحات للتلاعب اللفظي ضمن خطاب يقدمه كاتب وباحث ومحلل ومختص في الجماعات الإسلامية بغرض تضليل الجمهور وحرفه عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بمواجهة السلطتين السياسية والدينية اللتين يجهد كاتبنا في إرضائهما على الدوام.

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.

أضف تعليقك