"حَبيبَها لَستَ وَحدَك"

"حَبيبَها لَستَ وَحدَك"
الرابط المختصر

"حَبيبَها لَستَ وَحدَك حَبيبَها.. حَبيبَها أنا قَبلَك ورُبَّما جئتُ بَعدَك.. ورُبَّما كُنتُ مِثلَك حَبيبَها.. حَبيبَها"، إنّها كَلِماتُ الشَاعِرِ المَغدورِ العَظيمِ كامل الشِنّاوي الَّذي لحَّنَ شِعرَهُ وغَنّاهُ عمالِقةُ الطَرَبِ العَرَبي مِثلَ فريد الأطرَش ومحمد عبد الوهاب ونجاة الصغيرة.

المُستَمِعُ لأداءِ الراحِلِ عبد الحليم حافظ في أغنيةِ "حَبيبَها" يَخالُ إليهِ أنَّ الرَّجُلينِ –كامل وعبد الحليم- يتحدَّثانِ عن نَفسيهِما وكأنَّهُما ييُنشِدانِ شِعرَاً وغِناءً يَعكِسُ تَجرَبَتَهما الحقيقيَّة، وقَد يكونُ الأمرُ كذلِكَ وقَد لا يكون، المُهِمُ في مَعرِضِ هذه الأبياتِ أنّها تُسَلِّطُ الضوءَ على نَهجٍ نَمَطيٍّ كانَ وَما يَزالُ سائداً يُحيلُ في الخِيانَةِ وَما يَنجُمُ عَنها مِن آلامٍ وتَفاعُلاتٍ وِجدانيَةٍ وَآثارٍ “مُدَمِّرَةٍ”... تَلحَقُ بالرَّجُلِ “الضَحيَّة”؛ على المَرأةِ الَّتي هيَ دائماً وَأبَداً في مَوروثِنا الأدَبي؛ مَصدَرُ الخيانَةِ وسَبَبُ تَعاسَةِ الرَّجُلِ “المِسكين”.

"حَبيبَها لَستَ وحدَكَ" مَن يغتَصِبُ المرأة أو يَتَحَرَّشُ بِها ثمَّ يلقي عليها بالّلائمةِ لأنّها لم تَرتَدِ ثياباً تُخفي عنكَ ملامِحها الَّتي تُشَكِّلُ هُويَّتُها، لأنَّكَ لا تَقوى على رؤيةِ ملامِحِ إنسانٍ يُماثِلُكَ في كُلِّ شيءٍ عَدا الشيءِ الَّذي يُحرِّكُ فيكَ مَلَكَةَ الاستعبادِ والتَمَلُّكِ الرَخيصةَ الَّتي تَجعَلُ مِنكَ سَيّداً حتى إن كُنتَ “عَدَم المُآخَذة، جَربوع”، إذ يكفيكَ أيُّها الصِنديدُ هويَّتُكَ الجنسيّةِ الَّتي تَتفاخَرُ بِها وتقومُ بِكُلِّ ما هوَ مُمكِنٌ وغيرَ مُمكِنٍ لإظهارِها وفي الوَقتِ نَفسِهِ تجعَلُ مِن المرأة الَّتي تمارِسُ حَقَّها الطَبيعيّ في إبرازِ هويَتِها النوعيَّةِ؛ عُنوانَ “النَقيصةِ والوصمَة”، مع أنَّكَ أنتَ مَن اختَراعَ وأوجَدَ هذا الوَهمِ الناتِجِ عَن خيالٍ مَريضٍ جَعلَتهُ مأثوراتٌ ذاتُ “قُدِسيَّة وَقَداسَةٍ واقِعاً” أشَدُّ مَرَضاً وأعمَقُ فَتكاً.

"حَبيبَها لَستَ وَحدَكَ" مَن قَدّ يَكونُ تَرعرَعَ وتَعَلَّمَ وَتَزَوَّجَ مِن كَدِّ ومالِ مرأةٍ أنفَقَت زَهرَةَ شَبابِها عليكَ لتأتي أيُّها البَطَلُ بِذُكوريَّتِكَ القَميءَةِ فتأخُذُ ضِعفَ نَصيبِها في الميراثِ “على البارد المستريح”، وليتَكَ أيُّها الأسَدُ الضِرغامُ تَدَعُها تَهنَؤُ بفُتاتِ ما تُرِكَ لَها من تَرِكَةٍ هَزيلَةٍ بل إنَّكَ تَحرِمُها مِن الميراثِ كي لا يَذهَبَ مالُ أبيكَ الهالِكِ إلى ذَكرٍ من خارِجِ القَطيعِ الَّذي تَنتَمي إليه، وكأنَنا فِعلاً في قطيعٍ من الأسودِ الَّتي تَطرُدُ كُلَّ ذَكرٍ غريبٍ عَنها أو كقُطعانِ الجاموسِ البَرّيّ الَّتي يَكونُ مّصيرُ مَن ينفَلِتُ مِنها عَن سائرِ أفرادِ القَطيعِ الالتِهامَ من أسَدٍ جائعٍ يَتَرَبَّصُ بِفَريسَةٍ تَخَلَّى عَنها أصحابُها.

"حَبيبَها لَستَ وحدَكَ" مَن يَتَصَرَّفُ بهذه الطريقةِ الَّتي تَعودُ في فَلسَفَتِها إلى النَظرةِ الدونيَّة لِلمرَءةِ الَّتي هيَ في الدُنيا لَكَ “مَتاعٌ” وفي الآخرةِ “جزاءٌ ونَعيمٌ” وبعدَ الموتِ -إن كُنتَ وَفيّاً- مُجَرَّدُ ذَكرى عابِرَةٌ وَلَو طالت عِشرَتُكَ مَعَها عُقودَاً، إذ عليكَ بعدَ أن تَدفِنَها أن تَهرَع إلى الزَواجِ بغيرِها لأنّهُ لا يَنبَغي عليكَ -كَما يهرِفُ بعضُ مشايخِ الفَتّة- أن: “لا تلقَ اللهَ عَزَباً”.

"حَبيبَها لَستَ وحدَكَ" بَل هُم كُثُرٌ مَن يحاججونَ المَرأةَ بأنَّها نِصفُ الرَّجُلِ في الشَهادَةِ كما هيَ في الميراثِ وأنَّها كادَت أن تؤمَرَ بالسُجودِ لَهُ وأنّها لَو “لَعَقَت قيحَ وَصديدَ جَرحِهِ” لَما وَفَّتهُ حَقَّهُ! وَلا يَدري أحدٌ مَا هوَ حقُّهُ وكُلُّ الحَقِّ عليهِ في مَا طالَ ويَطولُ المَرأةَ مِن ظُلمٍ بَيِّنٍ وَهَوانٍ وإهانَةٍ لَا يَتَصّوَّرُ سَليمُ الفِطرَةَ إيقاعِها حَتى بأشَدِ الحيَواناتِ ضراوَةً، فَما بالُكَ بالمَرأةِ الَّتي هيَ أمٌّ وأختٌ وَزوجَةٌ وحَبيبَةٌ ومُعَلّمةٌ وَصاحِبةُ فَضلٍ وَطَبيبةٌ وَمُهندِسةٌ وَعسكَريَّةٌ وَوزيرةٌ ورئيسةُ وُزراءٍ –ليس في بلادنا طَبَعاً- وقائدَةٌ عَبَرَت بِبلادِها أو مؤسَسَتُها مِن أزَماتٍ ومُعضلات... وهيَ كُلُّ شيءٍ مِثلَ الرَّجُلِ وفي كثيرٍ مِن الحالاتِ أفضَلُ مِنهُ، وهيَ مِن قَبلُ ومِن بَعدُ إنسانٌ مُختَلِفٌ عَنكَ أيُّها الرَّجُلُ الَّذي نَسَجَ لَكَ أجدادُكَ حِكاياتٍ تَستُرُ عوراتِهِم وتُداري سوآتِهِم وتُبَرِّرُ جرائمَهُم وتُشبِعُ نَزَواتِهِم لَيسَ فَقَط في حَياتِهِم بَل بَعدَ مَماتِهِم، إذ لَفَظوا أنفاسَهُم وهُم يَنظُرونَ في كُلِّ اتجاهٍ باحثينَ عَن “نِسوَةٌ” مِن عالَمٍ آخَرَ؛ لتَطمَئنَّ قُلوبُهُم المَريضةُ إلى أنَّ مَلَكَةَ الاستِعبادِ والامتِهانِ والفوقيَّة الَّتي كانت وَما تزالُ وسَتَظَلُّ حَقّاً “على خازوق” سوفَ يَتِمُ إشباعُها ودونَما انقِطاع حَتَّى بَعدَ المَوتِ.

"حَبيبَها لَستَ وَحدَكَ" مَن يَعجَزُ عَن إجابَةِ سؤالٍ: أن لِماذا خيانَتُكَ ذَنبٌ مَغفور بَينَما خيانَتُ حَبيبَتِكَ مآلُها إلى القُبورِ بَعدَ أن يُعلِنُ الآثِمونَ مِن أهلِها أنَّ دَمَها بَواحٌ وَمَهدور؟ أَلَم تخُنكَ مَع رَجُلٍ مِثلَك؟ فلٍِماذا هيَ وَليسَ هوَ أو أنتَ؟ لِماذا عورَتُكَ مِن الرُّكبَتين إلى الصُرّة بَينَما هيَ حَتّى صوتُها عَورة؟ لِماذا نصيبُكَ في تَرِكَةِ أبيها وأبيكَ الضِعفُ بَينَما هيَ الَّتي مَن قِبَلِكَ تُستَذعَفُ؟ كيفَ يَقبَلُ عَقلُكَ أنَّكَ الأفضَلُ وأنتَ الَّذي مِن أجلِ شَهواتِهِ إستُبيحَت المَرأةُ جَسَداً وَروحاً وباتَ الاغتِصابُ غَنيمَةً والإذلالُ لَها قيمَةً وضَربُها رُخصَةً وهَجرُها حِكمةٌ من الهاجِرِ ولَعنَةٌ عليها مَع أنَّها المَهجورة!

"حَبيبَها لَستَ وَحدَكَ" وَلن تَكن كَذلِكَ، لأنَّكَ وغيرُكَ لَم تُقنِعوها بأن تَكونَ لكَ للأبَدِ بَينَما أنتَ أبَدَاً لَستَ لَها وحدَها، فكُلُّ نساءِ الأرضِ لَكَ فيهِنَّ “كوتة” وفي نساءِ الجَنَّةِ لَكَ كُلُّ النَصيب.

 حَبيبَتي، لَستُ وَحدي حَبيبُكِ وَلستِ وَحدَكِ حَبيبَتي، فَكُلُّ امرَأةٍ تَعشَقُ نَفسَها حَبيبَتي وكُلُّ رَجُلٍ يَحتَرِمُ اختلافَهُ عَنكِ هوَ حَبيبُكِ وهكذا يَجِبُ أن يَكون.

 إن لم يَتَدارَك القائمونَ عَلى عَمَليَّة التَعليمِ ضرورةَ الإسراعِ في تَغيير المَناهَجِ وَليسَ “تَعديلَها” والعَمَلُ فوراً على جَعلِ المَدارِسِ مُختَلَطَةً بعدَ أن يَتِمَ تَعديلُ السُلوكِ وَتَغييرُ الاتجاهاتِ لَدى الطَلَبةِ وَأولياء الأُمور، فإنَّ الغُربَةَ بينَ الجِنسَينِ وتَسَلُطُ الهُويَّةِ الذُكوريَّةِ سَيبقى حاضِرَاً يَجتَرُّ ماضٍ قَبيحٍ  كُلُّ رَجُلٍ فيهِ مَولى مُحتَمَلٌ لإماءٍ مُحتَملات.

 

مهند العزة: خبير دولي في التحليل القانوني وحقوق الإنسان، وكاتب في حقل الإصلاح الديني.

أضف تعليقك