حول مسيرة الإخوان
من الخطأ تحليل ما جرى يوم الجمعة، فقط انطلاقاً من موقف أيديولوجي من حركة الإخوان المسلمين، أو أن نحصر فهمنا لمسيرة وسط البلد في سياق الصراع بين السلطات والحركة الإسلامية.
يجب أن نقر أولاً بأهمية انضمام حراكات عديدة، ونشطاء غير إسلاميين، من داخل عمان ومن المحافظات، الذين اعتبروا، بغض النظر عن مواقفهم المتباينة من الإخوان، المسيرة فرصة لتوحيد الأصوات الشعبية المطالبة بالإصلاح والرافضة لإجراءات رفع الأسعار القادمة واستمرار حجز موقوفي الحراك.
مسيرة الجمعة أثبتت أن هناك احساسا شعبيا أوسع من المسيرة نفسها، كان بأمس الحاجة إلى زخم يُعلِّي ويُكثِّف الصوت في محاولة إلى اختراق جدران التجاهل والاستهتار الرسمي، الذي تصم آذانه كبرياء السلطة، للمعاناة والغبن في النفوس والعقول.
أدعو الجميع إلى مشاهدة مقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت، والنظر والسماع بكل تركيز واهتمام: النظر إلى الجموع توحدها أعلام الأردن الممتدة على امتداد البصر، وسماع الشعارات الأهم وهي ترفض الخنوع وتطالب بالعدل، أدعوكم للتخلي عن مخاوفكم لثوان حتى تسمعوا صوت المظلوم.
نعم أنا أعي تماماً المخاوف الحقيقية من أن يستغل الإسلاميون الحراكات والهموم الشعبية للوصول إلى الحكم أو لإجبار النظام على قبول شروط تخدم بعض أهدافها الفئوية في اقتسام السلطة، وإلى ما ذلك من شكوك سواء حقيقية أو غير حقيقية.
لهذا السبب قررت معظم الأحزاب مقاطعة المسيرة، ولأنها رأت فيها صراع نفوذ بين النظام والإخوان، لا ناقة فيها ولا جمل، لمعظم القطاعات الشعبية فيها، ولا علاقة لها حتى بعملية الإصلاح المنشود.
بالنظر إلى نهج الأحزاب الإخوانية، التي وصلت إلى السلطة في دول ما بعد الثورات، خاصة في تمسكها بسياسات التبعية الاقتصادية، والتعامل مع الحريات، فإننا لا نستطيع أن نقول إن فرضيات الأحزاب الأخرى هي مجرد افتراءات أو مجرد ديماغوجيا دعائية.
لكن يجب أن تقر الأحزاب، وأن يقر الكثيرون منا، أن الحركة الإسلامية نجحت في التقاط اللحظة، مستفيدة طبعاً من أخطاء النظام، أن توفر الفرصة للحراكات الشعبية، أن توحد بعض صفوفها، ولو وقتياً، في صرخة ضد التصميم, على المضي قدماً في نهج القمع والإفقار والتهميش.
صحيح أن مسيرة الجمعة قامت بترسيخ سيطرة ثنائية الصراع والمساومة بين النظام والإخوان وغياب وتغييب الفئات، وليس فقط التيارات، الأوسع بما فيها غير المسيسة والمؤدلجة، فكرياً أو تنظيمياً.
صحيح أيضاً، أن التصادم الوشيك، بين الطرفين، كان نتيجة هيمنة هذه الثنائية على الساحة السياسية لعقود، لكن الحديث عن أهمية كسرها يبقى في إطار التنظير إذا لم تجد الأحزاب والمجموعات المهتمة بتشكيل تيار ثالث بإيجاد وسائل جديدة للوصول إلى الناس وأكثر تحفيزاً على العمل السياسي الجماعي.
الجدل المحتد بين الطرفين حول حقيقة الأعداد التي شاركت لا يتعلق بالأعداد نفسها بل بمحاولة تحديد من خرج منتصراً وبحسابات الخسائر والغنائم لتحسن موقع كلا الطرفين التفاوضي فيما تستمر المعركة، التي نخشى أن تقصينا جميعاً.
لكن ادعاء بعض المسؤولين بالانتصار المبين، مردود عليه، لأن الجهات الرسمية خسرت حتى قبل قيام المسيرة بلجوئها إلى حملة التحريض والتهديد الهستيرية، ليس فقط لتأثير ذلك على التلاحم المجتمعي.
الحملة أطاحت ايضاً بما تبقى من مصداقية بعض الاعلام الرسمي، والصحف التابعة لها، وهي مصداقية تحتاجها والبلاد مقبلة على انتخابات نيابية ويتم ترويجها على أساس أنها بداية عملية الإصلاح الحقيقي.
ذلك لا يعفي حركة الإخوان من مواجهة استحقاقات شعبية قادمة، فإذا تملكها الغرور، وتصرفت أنها الطرف الوحيد الأوحد في الساحة، يجب أن لا تنسى أن أهم ما حصل يوم الجمعة هو في مشاركة فئات أوسع من تنظيمها وفي الشعارات الرئيسية حول مطالب الحريات والعدالة الاجتماعية.
وأخيراً وليس آخراً، مطلوب من الجميع مراجعة للنفس والكثير من التواضع، كي لا نفقد البوصلة، ولا الإحساس بهموم الناس وأن المسألة أكبر من صراعات مصلحية وأيديولوجية، بل قضية وطن يمر بأزمة حقيقية.
العرب اليوم