حول التمثيل والمواطنة

 حول التمثيل والمواطنة
الرابط المختصر

هناك خلط متعمد، وغير متعمد، يبلغ حتى التشويه لمفهومي التمثيل والمواطنة: لا شك أن المشاركة والتمثيل هما من أسس المواطنة،واجباً وحقوقا، لكن ما يحدث وحدث في الأردن، سواء نتيجة النظام الانتخابي، أو التحالفات خلال تشكيل بعض قوائم الوطن، في اعتقادي تشويه لمفهوم المواطنة.

سأدخل في الموضوع الأكثر حساسية مباشرة، فليس مقبولا أن تكون هناك نظم انتخابية، أو تفاهمات، سواء بهدف تقليص القوة الانتخابية " الفلسطينية" أو تحديد ، ضمنيا وليس رسمياً ،كوتا للتمثيل الفلسطينية " زيادة كانت أم نقصاناً".

فالفكرة خطأ من حيث المبدأ فمن قال ان من يستطيع تمثيلي في البرلمان يجب أن يتناسب مع "أردنيَتي " أو" فلسطينيَتي":إذ أن القضية الفلسطينية أوسع بكثير من تحديد الالتزام بها في هوية معينة، وأن الالتزام بمصلحة الأردن الوطنية، وبالتالي خياراتنا الانتخابية، هو انتماء " مواطنة" ، أسمى من أن تحدد بثنائية " أردني" و"فلسطيني" .

النظام الانتخابي ، والتحالفات الانتخابية، خاصة مع الجهات الرسمية، يجب أن لا تُثبتَ فكرة تمثيل "فلسطيني" منفصل عن التمثيل الأردني، إذا كان هناك حقاً أية نية عند أي من الأطراف بناء دولة الحقوق المدنية والقانون.

أهمية التمثيل الفلسطيني، تاريخياً، هي بالحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية في مواجهة عملية الاقتلاع و الإحلال الكولونيالية الإسرائيلية ، وهذه عملية نضالية لا تُحسم في عدد الفلسطينيين في البرلمان الأردني، في الوقت نفسه يجب أن لا تكون هناك حساسية من نواب ذي أصول فلسطينية، بصفتهم مواطنين أردنيين يمثلون الأردنيين ، وليس فئة معينة فقط.

من المرفوض أن تكرس أية معادلة انتخابية، قانونية أو ضمنية، الفصل بين المواطنين الأردنيين من خلال توزيع المقاعد النيابية.

يجب الأخذ بالحساسيات الموجودة، ولكن ليس إلى درجة القبول بالتعصب الإقليمي، ولذا فالمطلوب نظام انتخابي نسبي يدفع إلى ظهور وتمثيل التيارات السياسية، معزز بقوائم انتخابية وطنية، لزرع أسس تعددية سياسية، تضعف نوازع الانتماء الشخصي أو الفئوي الضيق، وتؤسس لثقافة وطنية.

كانت هناك فرصة في البناء على النظام الانتخابي النسبي، الذي اقترحته لجنة الحوار الوطني، لأن النظام الانتخابي يتعدى كونه تنظيماً للعلمية الانتخابية إلى تأسيس للمجتمع وقواه المستقبلية، لأنه يحدد إلى درجة مهمة طبيعة المجتمع المستقبلي الذي نريد، وما يترتب عليه من تعميق أو حل لأزمات اجتماعية.

أي نحن بحاجة إلى نظام انتخابي، يقلص أهمية التناحرات، الحقيقية والمتخيلة، بين "مكوني المجتمع الأردني" ويركز الأنظار والاهتمام على البرامج السياسية المختلفة للقوى السياسية والاقتصادية.

طبعاً إشكالية العلاقة الأردنية الفلسطينية، لا تحل من خلال نظام انتخابي، لكن النظام الانتخابي الحالي، وفي حالة الانتخابات الأخيرة التفاهمات الضمنية حول توزيع التمثيل، تزيد المسألة تعقيداً، وتضرب مفهوم المواطنة بدلاً من تعزيزه، كما يعتقد أو يتوهم بعضهم.

من المحزن أن نرى تراجعاً في الوعي والممارسات عن الخمسينيات، ونحنُ إلى أيام لم يكن مهماً من يمثل المواطن العربي الأردني من حيث "الأصول والمنابت" بحيث يفاجأ بعض من الجيل الجديد، و من غير المنخرطين بالعمل السياسي والمتابعين ،بأن الدكتور يعقوب زيادين الشيوعي الكركي، انتخب نائباً عن القدس في انتخابات عام 1956.

انحسار موجة الفكر التحرري، القومية الوطنية،واليسارية، كان له تأثير كبير، وواسع على تغلب اتجاهات التفكير الإقليمية والطائفية في العالم العربي ككل، فغياب التيارات الوحدوية، إضافة إلى عوامل أخرى، أدى إلى ظهور وعي مشوه لمفهومي الهوية الوطنية والمواطنة، انعكس على الثقافة السياسية و الخيارات الانتخابية الضيقة.

من الخطأ تغييب المخططات الإسرائيلية، التي ترى وطناً بديلاً للفلسطينيين في كل مكان غير فلسطين، لكن مواجهتها لا يتم بتعزيز انشقاقات " الهوية" داخل الأردن بل بإرساء ثقافة مواطنة حقيقية، تجعل التمثيل النيابي منوطا بالبرامج السياسية الاجتماعية وليس بالخوف من مَنّ نصنفه على أنه " الآخر" غصباً وقصراً.

الدوائر الغربية، التي تبدو دائماً معنية بالتمثيل الفلسطيني في مجلس النواب الأردني، تمارس في أحسن حالاتها نفاقاً واعياً أو غير واع، في هروب من مسؤوليتها من ، أو تواطئها مع الجرائم الإسرائيلية، و تهرباً من استحقاق تأييد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وفي حالة الصهيونية منها، دفعاً إلى استيعاب الفلسطينيين في محاولة لقتل الانتماء إلى القضية وحلم العودة.

لكن التحدي لا يكون بتسعير " صراع الهويات" والتذكير بأن الانتماء النضالي الفلسطيني، لا يلغي بل يكمل الانتماء الوطني الأردني، وليكن الدكتور يعقوب زيادين، و الكثير من الرموز التاريخية،أذكر على سبيل المثال لا الحصر، الفلسطيني المبعد،والوطني الأردني، المرحوم المحامي إبراهيم بكر، هي مناراتنا المضيئة.

العرب اليوم

أضف تعليقك