حول الإجماعات العشائرية

حول الإجماعات العشائرية
الرابط المختصر

كلما أقرأ عن إجماع عشائري على دعم مرشح أوحد عن العشيرة لخوض الانتخابات النيابية العامة، أُصاب بالإحباط. وكلما أسمع عن انتخابات "ديمقراطية وشفافة" ستجريها عشيرة لانتخاب مرشحها للانتخابات النيابية "العامة" يزيد منسوب الاحباط عندي.

نتحدث عن الدولة المدنية العصرية الحديثة التي تقوم على المواطنة والمؤسسات وسيادة القانون، ونكرس العشيرة، باعتبارها "الوحدة السياسية" التي تفرز النواب، ولا بأس بإسباغ الطابع "الديمقراطي" على العملية العشائرية، إرضاءً للشباب والمتنورين.

في الآونة الأخيرة توسع إدراكنا، وأصبحنا نقرأ ونسمع عن اجتماعات على أسس دينية، لاختيار مرشحين عن "الكوتا المسيحية"، وكأن انتخاب المقعد المسيحي حكرا على المسيحيين، وكذلك يفعل إخواننا الشركس والشيشان في بعض مناطق تواجدهم.

وامتدت ظاهرة العودة إلى الأصول والمنابت لتصل إلى دواوين أهلنا الأردنيين من أصول فلسطينية لاختيار مرشحيهم أو لدعم مرشح ديوان آخر يمثل منبتا أوسع.

العودة إلى العشيرة أو الطائفة أو العرق أو الجهة خيار تأخذه السلطة عندنا بوعي وعن سابق إصرار ورصد، يتمثل أساسا في قانون الانتخاب "العصري"، الذي تجرى على أساسه الانتخابات النيابية، وفي البيئة السياسية الحاضنة التي عملت وتعمل عليها السلطة من دون كلل أو ملل.

القانون والبيئة السياسية الحاضنة يحفزان البنى والعلاقات الاجتماعية القديمة وينميان الولاءات الفرعية على حساب الولاء والانتماء والاندماج الوطني. وها نحن نصنع بأيدينا ما نشكو منه ليلا ونهارا، ونسأل عن أسباب "الظواهر الغريبة" والطارئة على مجتمعنا، أعني: العنف والتعصب واهتزاز هيبة الدولة.

السلطة عندنا تشجع "الإجماعات" على اختلافها، ولها في كل انتخابات أو توافقات عشائرية مرشحها "الخفي"، تحشد له الدعم والاسناد!.

فمن مصلحة السلطة أن تتوحد العشائر على مرشح واحد، يضمن عدم تشتيت الأصوات، لأن مرشح العشيرة على الأغلب لن يكون من المعارضة أو من الداعين لتجديد أساليب الادارة والعمل العام، سوف يكون اهتمامه الأول منصبا على الخدمات.

في الكويت، تنبهت الدولة إلى ظاهرة الإجماعات العشائرية وآثارها السلبية، فمنعت العشائر من إجراء انتخابات داخلية لاختيار مرشح العشيرة لمجلس الأمة، لأن الانتخابات النيابية عملية سياسية مجتمعية، تستهدف استفتاء الشعب وانتداب ممثلين عنه لمجلس النواب، ليقوموا بمهام التشريع والتمثيل والرقابة والمحاسبة باسم الشعب كله، وليس باسم العشيرة أو الطائفة أو الجهة.

ندعو الحكومة إلى منع إقامة انتخابات أولية بين الجماعات الأردنية، على أساس العشيرة أو الدين أو العرق أو الجهة. فهذه الانتخابات "الداخلية" أو التوافقات "الديمقراطية" تتعاكس مع الهدف السياسي والديمقراطي الذي نبتغيه من الانتخابات النيابية "العامة"، وتخل بأسس التنافس الديمقراطي بين أبناء الدائرة الانتخابية الواحدة، لأنها تحرم أبناء العشائر الصغيرة أو الفرد من شروط متكافئة في السباق الانتخابي، مهما كانت مؤهلاتهم وكفاءاتهم، لأن الانتخاب يقوم على أساس فردي، كما أن "الإجماعات" تحرم أبناء العشيرة غير المتنفذين من فرصة التنافس بدعم من أبناء الدائرة الانتخابية.

كما أن "الاجماعات" تقول لأبناء الدائرة الانتخابية، من غير أبناء العشيرة الكبيرة، أنتم لا حول ولا قوة لكم، نحن قررنا واخترنا نائب الدائرة.

أعرف أن دعوتي لمنع الانتخابات الأولية، بين الجماعات الأردنية، لن تجد آذانا مصغية عند أصحاب القرار، لأنهم ضالعون في "اللعبة"، ولكل منهم مرشحه الخفي.