حمى الرفض

حمى الرفض
الرابط المختصر

الرفض والمعارضة ليسا مهنة: لكنهما ربما يكونان مجرد حالة صحية قد ترقى الى مرض ، عندما نألفهما مزمنتين تسيطران على تفكير بعضهم ، ولا يمكن أن نفهم سبب رفضنا نسبيا للجنة الحوار الوطني ، إلا بعد أن (نتفهم) الحالة الأردنية وما يسيطر عليها من مفارقات ، كان ممكنا أن تكون سببا لثرائها وقوتها وديمقراطيتها ، لولا أن بعضنا استطاب التشكيك كطريقة أسهل ، للتعبير عن وجوده ضمن تركيبة الحالة الأردنية ، وهو الأمر الذي تكون نتيجته غالبا فشل المبادرات وتراجعها ، وانهيار الثقة العامة بالحوارات الوطنية.

قبل أن يتم إعلان أسماء اللجنة المذكورة كتبت مقالة عن اللجنة والحوار الوطني ، وكان عنوانها (مجرد تبشير بالتغيير) ولم تنشر في "الدستور" ، لكنها منشورة في مدونتي وفي موقع عين نيوز الاخباري ، لأنني كنت أملك معلومة عن طبيعة تشكيل اللجنة ، وفهمت أننا مقبلون على مرحلة جديدة من المراوحات وشراء أسوأ سلعة في سوق السياسة الإصلاحية ، وهي سلعة الوقت الكاسدة والفاسدة ، لكنني وبعد رؤية تلك الأسماء التي أعلنت عنها الحكومة ، وبعد المواقف المتشنجة التي بادر بها بعضهم ، انسحابا أو رفضا للجنة وتشكيلتها ، يمكنني أن أطرح بعض التساؤلات: ما المطلوب من اللجنة غير تصورات عن قانون انتخاب ديمقراطي مناسب للحالة الأردنية؟ وغير قانون أحزاب يقترب من الناس ويشجعهم على الانخراط في الأحزاب؟ قانون الانتخاب تحدثنا عنه كثيرا ، ولدينا أكثر من تصور وصيغة تناسب الحالة الأردنية وتحافظ على حقوق الجميع ، وهي أفكار وأطروحات ليست جديدة ، ولن تستطيع لجنة الحوار الوطني أن تستنبط صيغة جديدة مختلفة عن الصيغ والاقتراحات المعروفة ، فدورها إذا سيكون محصورا في استخلاص صيغة ، تجمع بين مختلف الاقتراحات المطروحة سابقا من قبل مختصين وأحزاب ومفكرين وناشطين ، فلا دور مهم لهذه اللجنة يجعلنا نرفضها أو نعترض على تشكيلتها ، خصوصا وأنها في النهاية ستقدم تصورات وليس قانونا ، لأن القانون مهما كان مصدره ومهما كانت صفاته ، لن يصبح قانونا أردنيا إلا بعد أن يمر بمراحل دستورية ، تعمل على دراسته عميقا وقياسه حسب مصلحة الوطن وحسب المضامين والمواثيق الدولية للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ، فالأمر ليس مجرد اتفاق أو توافق بين 50 شخصا.

وفي قانون الأحزاب ستكون المهمة أسهل ، ولن يكون للجنة الحوار من دور خارق في هذا المجال ، فالقوانين موجودة ومعروفة عالميا ، والأحزاب موجودة كذلك ، ولا يمكننا أن نفرض عليها قانونا لا يناسبها ، والباب مفتوح أردنيا لتشكيل أحزاب قوية وفاعلة وقادرة على قيادة الفكرة الاجتماعية والسياسية لتأخذ دورها في القيادة والحكم الديمقراطي.

نحن جميعا ضد الإقصاء والتهميش ، وضد اختطاف اللحظة السياسية وتجييرها لغير المصلحة الوطنية ، ونتحفظ على طريقة تشكيل اللجنة بلا شك ، لكننا نتجاوز عن هذا التحفظ على اللجنة وتركيبتها لأننا نؤمن أن دورها استخلاص نتائج حوار تم أصلا ، وجرى عبر تاريخ الحراك السياسي الأردني ، لتغدو مهمتها مجرد جمع واستخلاص تلك الأفكار وتقديمها للمؤسسات الأردنية الدستورية لتقوم بدراستها ثم مناقشتها وإقرارها.

لكننا نتحفظ أكثر على مهنة الرفض والمعارضة ، فهي ليست بالاستراتيجية المناسبة إن أردنا إصلاحا ، بل إن التمترس خلفها والتمسك فيها من قبل بعضهم ، خصوصا في هذا الظرف السياسي ، سيفقدهم الكثير من مكانتهم وشعبيتهم ووطنية ومنطقية طرحهم.

الدستور

أضف تعليقك