حكومة "الوحدة الوطنية" في الأردن: معارضة أم استيزار؟!

حكومة "الوحدة الوطنية" في الأردن: معارضة أم استيزار؟!
الرابط المختصر

لم يكن إيهود باراك، وزير الحرب الصهيوني، قد غادر الأرض الأردنية بعد عندما أطلقت قوى معارِضة أردنية، حزبية ونقابية مهنية، نداءها لتشكيل "حكومة وحدة وطنية" للقيام بعملية "الإصلاح السياسي"، من أجل مواجهة الأزمات المتفاقمة في الأردن!

ولو عدنا لبيان النقابات المهنية في 28/8/2010، وبيان تنسيقية أحزاب المعارضة في اليوم الذي تلاه في 29/8/2010، لوجدناهما يحفلان بوصفٍ حيٍ ومؤثر للكثير من الأزمات المعيشية وغير المعيشية التي يمر بها الأردن، لولا أن المفاجئ فيهما كان تبني مطلب تشكيل "حكومة وحدة وطنية"... تشارك فيها "كافة القوى الفاعلة في المجتمع".

فمن هي تلك القوى يا ترى؟!! ومن هم ممثلوها الذين يجب أن يشاركوا في "حكومة الوحدة الوطنية" بالضبط؟! وكيف ستؤدي مشاركتهم في الحكومة -لأن هذا هو ما نتحدث عنه في النهاية- لحل المشاكل والعقد والأزمات التي أحسن بيانا النقابات والأحزاب المعارضة وصفها؟!

سواء في العراق أو فلسطين أو الأردن، أو أي بقعة أخرى في الوطن العربي، لا يمكن أن تكون هناك وحدة وطنية حقاً، في حكومة أو حتى في أي إطار سياسي، مع من هم غير وطنيين (إلا إذا تخلى الوطنيون عن وطنيتهم طبعاً).

ولنضع النقاط على الحروف بوضوح: المشاركة في الحكومة في أي قطر عربي منزلق خطر، ودخول الحكومة في أي دولة تدين بالولاء لأمريكا شبهة كبيرة، وفي ظل احتلال تكون خيانة مفضوحة، أما المشاركة في الحكومة في دولة تقيم علاقات مع العدو الصهيوني فسقوط سياسي، ناهيك عن دولة أو سلطة مرتبطة باتفاقيات وتنسيق أمني مع العدو الصهيوني، فذلك يمكن أن نطلق عليه كثيراً من الصفات، إلا "وطنية".

ثم كيف تكون المشاركة في الحكومة مرغوبةً والمشاركة في المجلس النيابي أمراً غير مرغوب؟! لقد استبشرنا خيراً بقرار مقاطعة الانتخابات النيابية، ليس فقط بسبب التزوير المكثف في انتخابات 2007 وقانون الانتخاب المتخلف (قانون الصوت المبحوح) وطريقة رسم الدوائر إلخ...، بل لأن المجلس النيابي برمته لا يملك قراراً سيادياً حقيقياً، ولا يملك من أمره شيئاً في الواقع، ولا يستطيع أن يغير توجهاً رئيسياً واحداً من توجهات السلطة التنفيذية، فهو ليس إلا واجهة لقوننة الأحكام العرفية، ولا يعني شيئاً، ولا يحل ولا يربط، سوى أنه واجهة، ليس إلا... وبالتالي لا يجوز أن تقبل المعارضة على نفسها أن تصبح مجرد "ممسحة زفر"، كما يقال، فتحية في هذا السياق لحزب جبهة العمل الإسلامي وحزب الوحدة الشعبية ولكل من اتخذ قراراً بمقاطعة الانتخابات النيابية، وهو موقف يعني بوضوح "كشف الطابق" ورفض الاعتراف بمشروعيتها؛ لأن ذلك هو الموقف المبدئي والصحيح.

ولكن تلك الحكومة المسكينة التي يتم تحميلها مسؤولية كل الأزمات لا تملك من أمرها شيئاً أيضاً. وهي بدورها مجرد واجهة تنحصر مسؤوليتها فقط بالإدارة اليومية للأمر الواقع، وبترجمة توجهات "اليد الخفية"، حسب تعبير عالم الاقتصاد الإسكتلندي آدم سميث، إلى برامج وإستراتيجيات. وكلها حكومات غير منتخبة، ويمكن أن "تطير" من الدوار الرابع بنفس السرعة التي وضعت فيها. وإذ تستهلك الحكومات في الأردن نفسها، فلا يطول عمرها في المتوسط عن أشهرٍ أو عام أو عامين، نحصل على وهم التغيير بلا تغيير، ويزداد عدد الوزراء السابقين، وتزداد موازنة رواتبهم التقاعدية، والأهم، وهنا بيت القصيد: يزداد عدد المستوزرين... حتى زعم البعض أن "المعارضة" هي أسرع طريق للعودة للوزارة!

وباستثناء حكومة سليمان النابلسي عام 56، التي وصلت للحكم بقوة حراك الشارع الأردني والعربي، لم تأتِ للأردن حكومة تتسم بشيء من الاستقلالية والقرار السيادي يمكن أن نسميها وطنية فعلاً. وحتى تلك التجربة في دخول الحكم بحاجة لإعادة تقييم.

وما أبعدنا عن تلك اللحظة التاريخية بجميع الأحوال! لكن إلى أن تأتي ونختلف عليها، دعونا نركز كل جهودنا كمعارضة، سواء كانت حزبية أو مستقلة أو نقابية أو ثقافية، على المهمة الإستراتيجية الوحيدة التي ربما نتمكن لو حققناها من التصدي حقاً للمخاطر المحيطة بالأردن، ومن الدفاع عن حقوق الناس، ألا وهي تعبئة المعارضة في الشارع وتفعيلها وتصعيدها... فعيوننا يجب أن تتركز على الشارع، وعلى تطوير تحركات المعلمين والمياومين ومقاومي التطبيع وغيرها، لا على المشاركة في الحكومة.