حكومة إصلاح أم تسيير أعمال؟
من المبكر إصدار الأحكام على الحكومة التي لم يمر على نيلها الثقة سوى شهر واحد. لكن أخشى، استناداً إلى بعض المؤشرات، من أنها ستمضي قدما في تسيير الأعمال وفق مقتضى الحال بالنسبة لجميع الملفات، بدون المباشرة بمشروع شامل للإصلاح.المؤشر الأول الآن هو البلديات، وهي ليست ملفا فرعيا؛ فهنا قاعدة التغيير والتنمية والإدارة السليمة والديمقراطية، بالتماس المباشر مع المجتمع.
و"البلديات" مع ملف الحكم المحلي واللامركزية، هو المشروع التوأم للإصلاح السياسي.ومشروع الحكومة بهذا الصدد هو.. لا شيء!
بحجة أن الوقت أدركنا، ولا نستطيع سوى إجراء الانتخابات في موعدها، وعلى الوضع القديم وبالقانون القائم نفسه؛ أي ما كانت ستفعله حكومة د. معروف البخيت، ورفضه الشعب، وأدى إلى سقوط الحكومة وتأجيل الانتخابات المرة تلو المرة تلو المرة، بانتظار الوصول إلى تصور مختلف لهذا الملف الشائك.
وها هي الحكومة الحالية تعود إلى نقطة الصفر، وليس في جعبتها شيء بحجة الوقت! فهل يعقل هذا؟حجة رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، هي أن ثمة أمرا واقعا مفروضا لإجراء الانتخابات. فهذا التأجيل (حتى أيلول (سبتمبر) المقبل) هو الأخير الممكن بموجب فتوى قانونية صدرت مؤخرا.
وخلال هذه الفترة القصيرة، ليس ممكنا تغيير القانون، أو النظر في مطالب فصل البلديات. وأنه حتى لو تأجلت الانتخابات، فهذا يعني اقتطاع سنة أخرى من عمر المجالس البلدية التي ستنتخب، ولن يكون مقنعا للمرشحين أن يتم انتخابهم لسنتين فقط.
وعليه، فلا مناص من الانتخابات، لننظر بعد ذلك في تغيير القانون ومطالب الانفصال!هذا بالضبط نمط التفكير بطريقة تسيير الأعمال.
والملف كله عند الرئيس الذي تتزاحم بين يديه القضايا الملحة، فيعمل على حلّ المشاكل المباشرة، وتسيير الأعمال، ولا يملك الوقت والحيز للتفكير والتخطيط ووضع الرؤية للتغيير بالتعاون والتنسيق مع قوى الإصلاح داخل وخارج البرلمان.
وبالمناسبة، هو نفس "المرض" الذي عانت منه كل الحكومات، ونخشى أن تعاني منه هذه الحكومة التي لن يبقى في جعبة رئيسها سوى ميزة نظافة اليد! أما وزير الداخلية-البلديات، فيبحث عن الحل بتوفير بعض المال لشراء آليات وتحسين الخدمات ليرضي الناس.
بعد الانتخابات، لن تهتم الحكومة بأي شيء، وستنشغل بملفات أخرى! وبالنسبة لحجة المواعيد، يستطيع الرئيس تقديم تعديل طارئ للقانون، يتيح تأجيلا جديدا، وفي الوقت نفسه تشكيل لجنة وزارية-نيابية وفعاليات متخصصة، وضمن سقف زمني، لوضع المشروع البديل؛ ليس فقط لقانون البلديات، بل أيضا لمشروع اللامركزية والحكم المحلي اللذين يتكاملان مع البلديات.
وأيضا التصور البديل لمشكلة الدمج والانفصال. والتصورات موجودة ومتراكمة ومتداخلة. وبالمناسبة، فإن وزير البلديات السابق، المهندس ماهر أبوالسمن، كان يتحدث عن مشروع توسعة الدمج لتصبح المحافظة كلها بلدية واحدة، مع تطبيق اللامركزية بإنشاء المجالس المحلية في كل بلدة وقرية. وفي الحقيقة، هذه صيغة تناسب تشكيل حكومة المحافظة وليس المجلس البلدي.
وكنا نقترح شيئا قريبا من ذلك لمشروع اللامركزية، باستبدال المجلس الاستشاري للمحافظة بمجلس منتخب، مكون من رؤوساء البلديات المنتخبين، والرؤساء المنتخبين من الهيئات القطاعية، مثل غرفتي التجارة والصناعة، وهيئات أخرى في المحافظة.
سياسة الأمر الواقع تسود بغياب الإرادة السياسية الحازمة للإصلاح والتغيير. ونخشى أن هذا النمط من المعالجة الآنية التي تتجنب التغيير الحقيقي، ستنسحب على كل الملفات.
فالرئيس يرث وضعا معينا، وسيعالجه من منظور فني وإداري بالوسائل المتوفرة خلال المهل المتاحة، ولا وقت لتصور إصلاحي بديل! هكذا تجري الأمور الآن بالنسبة للبلديات، ونخشى الشيء نفسه في كل شأن آخر.
الغد