حكومات من ورق

حكومات من ورق
الرابط المختصر

 

تستحق حكومة النسور إسقاطها بإرادة شعبية، ومحاسبة فريقها، وتأسيس نظامٍ جديدٍ لا تقوده إرادات داخلية تمثّل نفسها فقط –مثلما يحدث اليوم-، ولا تتلاعب به إرادات خارجية تتصارع فيما بينها على أهداف ومصالح لا تخص الشعب الأردني مطلقاً.

 

كالعادة؛ تُوظِف قوى النظام، الفاعلة والمؤثرة، متاعب المواطن ومعاناته من أجل تثبيت قواعد "اللعبة" مجدداً، ويجري تسويق الوهم عبر توجيه مشاعر الغضب والانفعال الصادقة جراء رفع أسعار الغاز ورسوم الترخيص -مثلاً- وينطلق مسلسل التجييش ضد حكومة "عابرة"، وتتواصل تعبئة أناس "عاجزين" تعوزهم المعلومة وحرية التفكير من أجل إيصالهم إلى أعلى درجات التوتر تجعلهم في لحظة استبدال رئيس الوزراء بآخر يشبهه، أو العدول عن "الرفع" الأخير، منساقين وراء شعارات "مزورة" تدعي التغيير والإصلاح، ومصدقين لها حتى لو تكررت الخديعة عشرات المرات!

 

يسعى النظام إلى تأجيج المشاعر الجمعية لأفراده بشكلٍ دائم، ولا يترك لهم فرصةً لإعمال عقولهم والتخلص من الانفعال الذي يحكم سلوكياتهم، وردود فعلهم تجاه سياساته، ونظراً لانعدام آليات الحكْم العادل من تمثيل حقيقي للمواطنين ومنظومة رقابة صارمة على المسؤولين، فإن أجهزة ومؤسسات بعينها هي من تدير البلاد والعباد ومصائرهم.

 

نكتة سمجة أن ينتهي عمر الحكومة غير المنتخبة، وغير الممثّلة لأحد سوى السلطة نفسها، على يد مجلس نوّاب تم انتخابه وفق قانون وظيفته الأساسية هي سلْب أصوات الأردنيين ومنحها لمن لا يستحقها، مع التذكير أن هذا المجلس هو من أقر الموازنة، بكل بنود إيراداتها وإنفاقها، وأغمض العين عن نفقاتٍ غير معلنة، وهو من أقر رفع أسعار الكهرباء وغيرها، وأن أعضاءه مستعدون للتصويت على المزيد من القرارات لو طُلب منهم ذلك!

 

وأكثر سماجة أن ترحل الحكومة، التي فرضت أسوأ الضرائب وأبشعها، بوساطة إعلام مرتزق، ومرتبط بأجندات ودوائر، دأبه الوحيد "التسحيج" لكل رئيس وزراء عند تعيينه، وتصويره صاحب ولاية ورأي مستقل، ثم يبدأ بانتقاده كلما أتته تعليمات بذلك، إلى أن تحين ساعة الأجل، فيسارع هؤلاء "الكتَبة" بتقاريرهم الركيكة ولغتهم الضعيفة إلى المطالبة برحيل الحكومة.

 

يغفل الأردنيون، لفرط انفعالهم، أن حراكهم في الشارع -تحت مسميات عدّة، وفي مراحل مختلفة-، أو من داخل النظام بوصفه قوى إصلاحية كان ثمرته الوحيدة تكريس احتكار السلطة، وإعادة توزيعها شكلياً في مواسم الانتخابات أو تدوير المناصب. وأن القصر والأمن والبيروقراط ورجال الأعمال يقومون معاً بصناعة الحكومات السيئة المتعاقبة.

 

حاول فريق من الكتّاب النفخ في قرْبة صراع مراكز القوى منذ بدء ما سمي بـ"الانفراج الديمقراطي"، وما رافقه من "تصحيح" اقتصادي شمل الخصخصة وتنفيذ سياسات رفع الدعم الحكومي؛ الصراع بين القصر ورجال الأعمال من جهة، وبين المخابرات والجهاز البيروقراطي من جهة أخرى، صامتين على التحولات الخطيرة الجارية داخل النظام، فالحالة التنافسية التي حكمت الأطراف جميعها كانت ولا تزال تُنتج مزيداً من الشراكات بينها.

 

بناءً على هذه الشراكات جرى تقاسم الوزارات عند تأليف كلّ حكومة، ليحصل فريق "البزنس" المنخرط في التصحيح على الوزارات الراعية والمنظمة للاقتصاد، ونال البيروقراط حقائب لا تخضع لبرامج الخصخصة، وساهم الفريقان في إضعاف أجهزة الدولة وهيبتها، ومُنحت وزارات الدولة والثقافة والتنمية السياسية وغيرها من الحقائب الهامشية لبعض الشخصيات تحقيقاً لتوزانات عشائرية ومناطقية وطائفية، وليس بعيداً عن هذه الأجواء تخضع "الطبخة الوزارية" لاختبار أخير تقرّر نتائجه بعض السفارات الحاضرة في السياسة الأردنية.

 

إلى ذلك، يبدو مشهد الهجوم على النسور كاريكاتورياً، سواء تخلّت حكومته عن قرارات الرفع الأخيرة أو قامت بإخراجها مع تعديلات طفيفة، فإن الشركاء أنفسهم هم من سيقررون –وحدهم- الإبقاء على هذه الحكومة أو الإطاحة بها والإتيان بأخرى تفصّل على مقاسهم، وتؤكد احتكارهم للسلطة.

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.