حكومات تستمرئ الإصلاح الاقتصادي
بافتتاح مجلس الأمة تنتهي اليوم الإجراءات البروتوكولية، ليبدأ العمل الحقيقي للسلطتين التنفيذية والتشريعية، إيذانا بمرحلة جديدة من العمل والسعي نحو التغيير والإصلاح المنشودين.
والمسؤولية الملقاة على عاتق السلطتين كبيرة وثقيلة، لاسيما أن كتاب التكليف الملكي طالب صراحة بالمضي في عملية الإصلاح بمختلف مفاتيحها ومحاورها السياسية والاقتصادية، وما يتبعهما من إصلاح اجتماعي وإداري.العنوان العريض للمرحلة الجديدة هو الإصلاح السياسي والاقتصادي، والأخير ليس صعبا بل كان أسهل بكثير على حكومات متعاقبة مضت فيه وآثرته على الأول، الذي راوح مكانه لسنوات طويلة.
والواقع يظهر أن السير في عملية الإصلاح السياسي كان الأصعب، حيث وجد العديد من الحكومات الماضية في الإصلاحات الاقتصادية سبيلا للتهرب من استحقاقات سياسية تأخرت كثيرا.
وأكثر ما يدلل على التخوف والتنصل من الاستحقاقات السياسية وجود قانون الصوت الواحد والتطور الذي لحق به من دوائر فرعية أعادت عملية الإصلاح خطوات إلى الوراء.
والتراجع الحاصل في ملف الإصلاح السياسي إلى اليوم يتطلب تكثيف الجهود، ليكون العام 2011 محطة تغيير جذري في مستقبل البلد، لناحية إشراك فئات وأطياف مغيبة لتكون جزءا من الحالة، ولا تبقى مهمشة وبعيدة أو مبعدة وتصبح جزءا من أجواء مشحونة ومتوترة لا تساعد أبدا في نضوج الحالة الإصلاحية.
وكما قلت سابقا، فان الإصلاح الاقتصادي أسهل لأكثر من سبب، فهو من ناحية لا يصطدم بجبهات داخلية ذات توجهات سياسية محددة، بل يطاول حياة العامة وجيوبهم، كما أنه ذو كلف يدفعها المواطن غير المشارك سياسيا على الأغلب.
وحتى في الإصلاح الاقتصادي لم يكن العمل مكتملا، حيث اختارت الحكومات الجزء الأسهل في هذا الموضوع، حين اقتصرت الإصلاحات على إتمام عمليات الخصخصة والتخلص من دعم العديد من السلع والخدمات، فيما تضاءل العمل في محور إقرار تشريعات اقتصادية تنظم السوق وتحقق العدالة وتوزيع مكتساب التنمية.
وضعف الجانب التشريعي جلي في مجال تأخر القوانين التي تضمن توفر بيئة استثمارية غنية وقوية وثابتة، إلى جانب تأخر صدور منظومة تحمي المستهلك وعلى رأسها قانون حماية المستهلك وقانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون الصناعة والتجارة الذي يغلظ العقوبات على المخالفين.
اللافت أن الفجوة باتت كبيرة بين مساري الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي استمرأته الحكومات كونه لا يجلب "وجع الرأس"، ما جعل الفرد يتحمل كثيرا من التبعات السلبية للإصلاح الاقتصادي من دون أن يلمس تحسنا ايجابيا على مسار مشاركته السياسية التي تحددها كثيرا الأدوات والتشريعات المتاحة.
ولأن الفجوة تتسع والأضرار التي لحقت بالناس من الإصلاح الاقتصادي تتزايد فإن المرحلة تتطلب قطع خطوات في ملف الإصلاح السياسي ليشعر الناس أن مساحة المشاركة لديهم تتسع، وأنهم شركاء لا مجرد متلقين للقرارات الاقتصادية الصعبة.
سلبيات غياب الاصلاح السياسي كثيرة ومتعددة في حين أن الاصلاح الاقتصادي يركب أعباء اضافية لها تبعات اجتماعية والتخفيف منها يكمن في نتائج الاصلاح السياسي.
وتحقيق توازن بين ما تريده الحكومات وما يطمح له الناس يتطلب إحداث توازن بين مسارات الاصلاح المختلفة لتصب كلها في نهاية الأمر في صالح العامة وليس مصالح ضيقة لفئات محددة.
الغد