حكومات برلمانية من برلمان فردي

حكومات برلمانية من برلمان فردي

لن يكون من اليسير تشكيل حكومة برلمانية في ظل غياب أغلبية نيابية أو أطر سياسية ينتظم من خلالها النواب ليصوتوا كوحدة أو فريق واحد. والدلالات إلى الآن تشير إلى أن مداولات تشكيل الحكومة البرلمانية ستنحو، على الأرجح، للتوافق والتسليم بما يمكن قبوله، في ضوء العجز المتوقع لمجلس النواب عن إفراز حكومة برلمانية، وذلك بدل أن تكون لدينا أغلبية نيابية واضحة وملتزمة، تبادر إلى ترشيح رئيس الوزراء وحكومته، أو تستطيع فرضهما على الأقلية (النيابية).

الاحتمال ما يزال قائما، إنما في ظل عدم رغبة النواب في أن تضيع فرصة إمكانية تشكيلهم للحكومة، وليقوموا تالياً بتكثيف الهمة لإنتاج عدد محدود من الكتل، تتقاسم المواقع القيادية بين رئاسة المجلس ومكتبه الدائم، وتشكيلة الحكومة وترشيح رئيسها.

لكن قول ذلك أسهل بكثير من فعله؛ فتشكيل الكتل الذي يتم بجهود فردية، سيكون أصعب عشرات المرات مما كان ممكنا في السابق، لأنه سيتجاوز أسلوب "المونة" السياسية، ليأخذ طابعا مصلحيا سيتعذر تطويعه أو الاستجابة له.

من الصعب التنبؤ بدقة بما ستؤول إليه آلية تشكيل الحكومة البرلمانية في ظل فردية مجلس النواب. لكن ما نعلمه تماما هو أن هذا شأن مهم واستراتيجي للإصلاح السياسي في الأردن ومصداقيته.

والأسابيع المقبلة ستكون مصيرية، وتتطلب الكثير من المهارة السياسية، والمعرفة الحزبية والتشريعية، وتأخذ بعين الاعتبار ضرورات الاقتراب ما أمكن من توقعات الرأي العام بحكومة برلمانية ذات شكل وفحوى سياسي مختلفين جوهريا عما كانا عليه في السابق.

مداولاتنا السياسية المنتظرة في الأيام والأسابيع المقبلة لا تقل أهمية عن الانتخابات التي أجريناها، لأن الانتهاء إلى حكومة برلمانية بأسلوب مقنع للرأي العام، سيمدّ برنامج الإصلاح السياسي الذي اختطته الدولة بالكثير من القبول والاحترام، وسيفقد خطاب التشكيك السياسي كثيرا من مصداقيته؛ وفي ذلك مكسب سياسي استراتيجي للبلد.

الانتخابات الأخيرة أعادت سلطة "التنييب" للمجتمع. وتشكيل الحكومات يجب أن يُبقي نصب عينيه أن يكون لمجلس النواب اليد الطولى في ذلك، حتى تعاد سلطة "التوزير" للمجلس الذي أفرزه الناخبون؛ وبهذا نكون قد أعدنا توزيع القوى والسلطة السياسية بطريقة سلسة وديمقراطية، وتقدمنا خطوات مقدرة جدا على طريق تحقيق الديمقراطية.

تبرز حاجة أساسية إلى تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، كما أشارت ورقتا جلالة الملك النقاشيتان، بما يسمح بمأسسة الكتل وإعطائها قوة سياسية أكبر، وديمومة أطول، واستقرارا لم يتحقق في السابق.

وبغير ذلك نكون أمام حالة متوقعة من انعدام الاستقرار الحكومي، وتمكين الكتل الصغيرة من التأثير في عمر الحكومات وبقائها، ما قد يؤدي تالياً إلى تراجع حاد في الأداء الحكومي.التاريخ يُصنع الآن وبسلمية وعقلانية. وبحمد الله؛ فنحن نؤسس لمرحلة سياسية مختلفة جوهريا عن سابقاتها، ما يعاظم مشاعر الترقب والأمل في أن نستمر، مجتمعا ونخبا وصناع قرار، كما كنّا إلى الآن: على مستوى المرحلة ومآلاتها المرجوة، وبما يديم للأردن تميزه الإقليمي، وإنجازه للإصلاح السياسي الذي اختطه.

الغد

أضف تعليقك